دراسات قرآنية
التفسير بالسنة
بقلم: مساعد بن سليمان الطيار
إن الله سبحانه قد أَوكل إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مهمة البيان،
فقال: [وَأََنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]
[النحل: 44] .
ولذا كان الرجوع إلى بيان الرسول مهماً -صلى الله عليه وسلم- في فهم
القرآن وتفسيره، ولما كان الأمر كذلك، فإنه لا أحد أعلم بمراد الله منه -صلى الله
عليه وسلم-.
ثم إن ما يرد عنه من تفسير فإنه وحي؛ لقوله تعالى: [إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ
يُوحَى] [النجم: 4] وهذا يدل على عظيم منزلة تفسيره -صلى الله عليه وسلم-.
موضوعات البحث:
وسيكون في هذا البحث الموضوعات التالية:
* تحرير مصطلح التفسير بالسنة.
* تحرير مصطلح التفسير النبوي.
* أنواع التفسير النبوي وأمثلته.
* أنواع التفسير بالسنة وأمثلته.
تحرير مصطلح التفسير بالسنة:
يرد في هذا الموضوع مصطلحان: (التفسير بالسنة) ، (التفسير النبوي) ،
وهذان المصطلحان يحتاجان إلى تحرير.
إن السنة تشمل كل قول أو فعل أو تقرير للرسول -صلى الله عليه وسلم-،
فهل كل السنة تفسير للقرآن؟
إن بعض من بحث هذا الموضوع لم يبّين نوع السنة التي تكون تفسيراً للقرآن، بل إن بعضهم أدرج تحت هذا الموضوع زيادة السنة على القرآن [1] ، مع أنه لا
علاقة لذلك بالبيان عن القرآن، ويمكن القول بأن كل إفادة يستفيدها المفسر من
السنة في بيان القرآن وتفسيره فإنها من التفسير بالسنة، وهذه الإفادة من عمل
المفسر واجتهاده في الغالب.
أما التفسير النبوي، فيلحظ فيه إضافته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-،
ويمكن أن يقال: هو كل قولٍ أو فعلٍ صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
صريحاً في إرادة التفسير.
وبهذا يظهر أن مصطلح (التفسير بالسنة) أعم وأشمل من مصطلح (التفسير
النبوي) [2] ولكل مصطلح من هذين أنواع تندرج تحته، وهي كما يلي:
* أولاً: أنواع التفسير النبوي:
مرّ أن التفسير النبوي: كل قول أو فعل صدر عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- صريحاً في إرادة التفسير.
ويمكن حصر أنواعه في ثلاثة:
1- أن يبتدر الصحابة بتفسير آية.
2- أن يسأله الصحابة عن المعنى المراد فيجيبهم.
هذان من التفسير القولي.
3- أن يتأول أمراً أو نهياً في القرآن.
وهذا هو التفسير الفعلي.
* أمثلة النوع الأول:
1- أن يبتدر الصحابة بتفسير آية:
وفي هذا قد يذكر -صلى الله عليه وسلم- الآية، ثم يفسرها أو العكس، ومن
أمثلة ذكر الآية ثم تفسيرها، مارواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (رضي الله
عنه) ، قال: «إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قيل لبني إسرائيل
[ادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ] [البقرة: 58] فدخلوا يزحفون
على أستاههم: (أدبارهم) وقالوا:» حبة في شعرة « [3] .
ومن أمثلة ذكر معنى الآية ثم ذكر الآية، ما رواه البخاري ومسلم عن أبي
موسى الأشعري (رضي الله عنه) : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:» إن
الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى
وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] [هود: 102] « [4] .
2- أن يسأله الصحابة عن المعنى المراد فيجيبهم:
ومن أمثلته، ما رواه الترمذي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء في
سؤالهما عن البشرى في قوله تعالى [لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا
تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] [يونس: 64] جاء في حديث أبي الدرداء: أن رجلاً من مصر سأله عن هذه الآية، فقال له أبو الدرداء: ما سألني عنها أحد
منذ سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما سألني عنها أحد غيرك منذ
أنزلت، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» [5] .
3- أن يتأوّل أمراً أو نهياً في القرآن:
التأوّل: ما يقوم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أفعالٍ تكون مفسرة
للخطاب القرآني، وموضحة للمراد منه.
إن إدخال الأفعال النبوية في (التفسير النبوي) يحتاج إلى تحرير، إذ يقع
سؤال مهم في هذا الباب، وهو كالتالي:
إلى أي مدى يفسّر الفعلُ النبوي القرآنَ؟
فمثلاً.. قوله تعالى [أقيموا الصلاة] أمر بإقامة الصلاة، فما التأوّل النبوي
لهذا الأمر القرآني؟
هل يدخل في تفسير هذا الأمر تفاصيل الصلاة؟
الظاهر في هذه المسألة أن ما يفهم به الخطاب القرآني من أفعال النبي -صلى
الله عليه وسلم- فإنه من التفسير النبوي.
أما دخول تفاصيل الأفعال فمحلّ نظر [6] . والله أعلم.
* ومن أمثلة التأوّل النبوي مايلي:
1- عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: «لما نزلت [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ
الأَقْرَبِينَ] [الشعراء: 214] صَعِد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا فجعل
ينادي: يابني فهر، يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم
يستطع أن يخرج أرسل رسولاً ينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال:
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ؟
قالوا: نعم، ماجربنا عليك إلا صدقا.
قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟
فنزلت [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (?) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ]
[المسد: 1، 2] » [7] .
2- وعن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلى النبي -صلى
الله عليه وسلم- صلاةً بعد أن نزلت عليه [إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ]
[النصر: 1] إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.
وفي رواية أخرى عنه عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله -
صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا
وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأوّل القرآن « [8] .
* ثانياً: أنواع التفسير بالسنة:
مر أن التفسير بالسنة يشمل كل إفادة يستفيدها المفسر من السنة في تفسير
القرآن، ولذا فإن هذه الإفادة لايمكن حصرها، وإنما أضرب لذلك نوعين، وأذكر
أمثلة لهما.
1- أن يرد في كلامه مايصلح أن يكون تفسيراً لآية:
قد يذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كلامه ما يصلح أن يكون تفسيراً
لآية غير أنه لم يورده مورد التفسير، فيعمد المفسر إلى مثل هذا الكلام النبوي
فيجعله تفسيراً لآية.
والمفسر حين يقوم بهذا العمل يكون مجتهداً في الربط والتوفيق بين معنى
الآية ومعنى الحديث الذي يراه مفسراً لها.
وقد ورد ربطُ معنى حديث بآية يفسرها عن الصحابة والتابعين، ومن أمثلة
ذلك عندهم مايلي:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يقول:» مامن بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً
من مس الشيطان، غير مريم وابنها «ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم:
[وَإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ] [آل عمران: 36] » [9] .
2- في تفسير قوله (تعالى) : [الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ] [النجم: 32] روى الطبري عن ابن عباس أنه قال: «ما رأيت شيئاً أشبه
باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:» إن الله كتب على
ابن آدم حظه من الزنى، أدركه ذلك لامحالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان
المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه « [10] .
3- وروى الطبري عن سعيد عن قتادة، في قوله (تعالى) : [وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً
عَلِياً] [مريم: 57] قال: حدثنا أنس بن مالك أن -صلى الله عليه وسلم- الله حدث
أنه عرج به إلى السماء، قال:» أتيت إدريس في السماء الرابعة « [11] .
ففي هذه الأمثلة تجد أن الصحابي أو التابعي ذكر قولاً نبوياً مفسراً للآية.