مصطلحات
الزندقة
عبد العزيز بن محمد عبد اللطيف
أصل هذه الكلمة:
يقول ابن تيمية - رحمه الله - عن لفظ الزندقة: (هو لفظ أعجمي معرَّب، ...
أُخذ من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام، وعُرب..) [1] ..
ويقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عن أصل الزنادقة: (أصل الزنادقة ...
أتباع دَيْصان، ثم مانيّ ثم مزدَك وحاصل مقالتهم أن النور والظلمة قديمان، وأنهما
امتزجا فحدث العالم كله منهما، فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة، ومن كان
من أهل الخير فهو من النور) [2] .
ويذكر بعض المؤرخين أن زرادشت أتى بكتاب (البستاه) ، فمن أعرض عنه، وعدل إلى التأويل الذي هو الزند قالوا الزندي، فلما جاءت العرب ... أخذت هذا المعنى من الفرس، وقالوا زنديق وعربوه.
وقد عدَّ الإمام الملطي - رحمه الله - الزنادقة أول الطوائف افتراقاً، ثم ذكر
فرق الزنادقة فقال: (أول من افترق من هذه المذاهب: الزنادقة، وهم خمس فرق
المعطلة والمانوية والمزدكية والهبدكية والروحانية) [3] . وقال الجاحظ: إن
الزندقة فشت في النصارى فقال: (ودينهم - يرحمك الله - يضاهي الزندقة،
ويناسب في بعض الوجوه قول الدهرية، وهم من أسباب كل حيرة وشبهة. والدليل
على ذلك أنَّا لم نر أهل ملة قط أكثر زندقة من النصارى، ولا أكثر متحيراً أو
مترنحاً منهم..) [4] .
إطلاقات الزندقة ومعانيها في الإسلام:
استخدم هذا المصطلح في معانٍ متعددة.. فبعضهم يطلقه على الثنوية
المجوس، وهو موجود في بعض معاجم اللغة العربية مثل تاج العروس (مادة ز ن ق، فصل الزاي من باب القاف) ومختار الصحاح (مادة ز ن د ق) وغيرهما، وربما أطلق الزنديق على الدهري كما في لسان العرب [5] ، ومنهم من يطلقه على من لا يؤمن بالله واليوم الآخر كما ذكر ذلك ابن القيم في إغاثة اللهفان [6] ، ونجد أن الفقهاء يطلقون الزنديق على المنافق، يقول ابن تيمية - رحمه الله -: ... (فأما الزنديق الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته، فالمراد به عندهم المنافق، الذي ... يظهر الإسلام ويبطن الكفر) [7] .
ويقول الحافظ ابن حجر: (ثم أُطلق الاسم (الزنديق) على كل من أسرَّ الكفر
وأظهر الإسلام، حتى قال مالك: الزندقة ما كان عليه المنافقون، وكذا وأطلقت
جماعة من فقهاء الشافعية وغيرهم: أن الزنديق هو الذي يسرّ الإسلام ويخفي
الكفر) [8] وبعض علماء السلف يطلقه على الجهمية، كما يفعل ذلك الإمام عثمان بن سعيد الدارِمي (ت 282 هـ) في كتابه (الرد على الجهيية) [9] ، وفي كتابه (النقض على بشر المريسي) [10] . وقد يُرمى صاحب المجون والفحش ...
بالزندقة [11] .
عقائدهم:
إن عقائد الزنادقة قد تضمنت كماً هائلاً من صنوف الكفر الصريح، والردة
الظاهرة، كقولهم بالحلول، وتأليه البشر، وتشبيه الله - تعالى - بخلقه، وإنكار
النبوة أحياناً، وادعاء النبوة أحياناً أخرى! والقول بالتناسخ، وإنكار القيامة والجنة
والنار، واستحلال المحرمات وجحد الواجبات.. [12] .
آثارهم:
خلَّف الزنادقة آثاراً سيئة وعواقب وخيمة على الأمة المسلمة، فأشعلوا ثورات
سياسية وأفسدوا البلاد والعباد، كما فعلت القرامطة والإسماعيلية والمقنعية،
وغيرهم من فرق الزنادقة. كما أن بعض الفرق الإسلامية قد تزندقت، وخرجت
من دين الإسلام، كما هو الحال في غلاة الشيعة، والخطابية من المعتزلة،
والاتحادية من المتصوفة وغير ذلك.
اتخذ الزنادقة التشيع مطية ذلولاً في نشر مذهبهم، يقول ابن تيمية - رحمه
الله - عن الشيعة: (ومنهم من أدخل على الدين من الفساد ما لا يحصيه إلا رب
العباد، فملاحدة الإسماعيلية وغيرهم من الباطنية المنافقين، من بابهم دخلوا،
وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا على بلاد
الإسلام، وسبوا الحريم، وأخذوا الأموال، وسفكوا الدم الحرام.. إذ كان أصل
المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين -
رضي الله عنه - فحرَّق منهم طائفة بالنار، وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه
البتار) [13] .
من جهود الخلفاء في محاربة الزنادقة:
اجتهد الخلفاء في تتبُّع الزنادقة والقضاء عليهم واستئصالهم، حفاظاً على
الدين وأهله.. فهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يأمر بإحراق الزنادقة
كما روى البخاري [14] ، واشتهر الخليفة العباسي المهدي بالعناية بذلك، حيث
عين رجلاً ليتولى أمور الزنادقة. ويقول ابن كثير - في حوادث سنة 167هـ -:
(وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبراً
بين يديه) [15] .
ووصى المهدي ابنه موسى الهادي الخليفة من بعده بذلك.. وقد أنفذ الهادي
تلك الوصية، يقول ابن كثير - في حوادث سنة 169هـ -: (وسعى الهادي في
تطلب الزنادقة من الآفاق، فقتل منهم طائفة كثيرة واقتدى في ذلك بأبيه) [16] .
كلمة في أهمية الموضوع:
تظهر أهمية هذا الموضوع لعدة أمور، منها:
أن فكرة الزندقة والإلحاد موجودة منذ القدم، حيث كانت معروفة عند قدماء
اليونان والهندوس والفرس، كما أن الزندقة موجودة وظاهرة في العصر الحديث،
وقد قام الزنادقة - عبر العصور الإسلامية - بثورات سياسية وأعمال تخريبية،
والأولى من ذلك أنهم أثروا تأثيراً بالغاً على معتقدات بعض الفرق التي تدَّعي
الإسلام، بل نجد أن بعض الفرق قد (تزندقت) ، وأمر ثالث يؤكد أهمية ذلك وهو
أن المستشرقين قد اعتنوا عناية كبيرة بهذا الموضوع، فكتبوا دراسات مستقلة عن
بعض الزنادقة، ولكنهم - كما هي عادتهم - دافعوا عن هؤلاء الزنادقة وعن آرائهم، ولمّعوهم وأثنوا عليهم خيراً [17] ، ولا ننتظر من هؤلاء المستشرقين أكثر من
ذلك، وقد أُشربت قلوب أكثرهم حب كل ما يناهض الإسلام الصحيح الأصيل، ولا
أنسى أن أذكر أن البعض قد كتب عن الزندقة وانتقدها، وكله من أجل الدفاع عن
القومية العربية؛ حيث إن الزندقة وثيقة الصلة بالشعوبية الفارسية المجوسية
المناهضة للقومية العربية.