خواطر في الدعوة
ظلم ذوي القربى
محمد العبدة
عندما كان القتال محتدماً بين أحزاب الجهاد الأفغاني في العاصمة كابل،
وكانت القذائف تنزل حمماً على رؤوس الآمنين [1] والمسلمون في كل مكان
يتألمون لما يقع بين إخوة الجهاد، ويزداد ألمهم عندما يفكرون بالأثر الذي يُحدثه
مثل هذا القتال على نفسية المسلم ومعنوياته، ففي أثناء هذا الصراع تمنى أحد
زعماء الجهاد إيقاف هذا القتال، وإن لم يكن نهائياً فعلى الأقل في شهر رمضان
المبارك، وقال هذا القائد: كنا أحياناً نتوقف عن القتال في شهر رمضان أثناء
جهادنا مع أعداء الإسلام، مع حكومة كابل الشيوعية، أفلا نستطيع الآن أن ننفذه
مع إخواننا وفيما بيننا؟ ! .
حقاً، إن ظلم ذوي القربى شديد على النفس، وهذا إذا وقع بين الأقارب في
النسب، فكيف به إذا كان بين الأقرباء في العقيدة والدين، وكيف به إذا تعدى ظلم
فرد لمثيله وأصبح فاشياً في ظلم مجتمع لمجتمع، أو جماعة لجماعة فهو أشد مرارة، وأكثر ألماً، وأقسى من كل ما تصاب به الأمة من عدو خارجي؛ لأن المحنة
عندما تأتي من إخوة لك في الدين، فهذا سيؤدي إلى فقدان الأمل عند جماهير الناس
بمن يتصدى للدعوة، وفقدان الأمل من قرب استئناف حياة إسلامية، وسيؤدي إلى
الإحباط وإشاعة روح اليأس، وسيكون التساؤل قوياً وحاضراً وملحاً: إذا كان
هؤلاء يتخاصمون ولا يتفاهمون، ويتعادون ويتشاكسون. فهل هناك أمل في
الإصلاح المنشود؟ !
هل أصيب المسلمون بأمراض المنطقة وأوبئتها؟ فصاروا مثل غيرهم من
الأحزاب المتناحرة، حيث اشتهر (الرفاق) في الأحزاب العلمانية بممارسات تصفية
زملائهم، سواء بالتصفية الجسدية أو الإبعاد أو السجن.
هل يعي المسلمون - والكلام ليس للأفغان وحدهم - أنهم بتنازعهم وأنانيتهم،
وضيق أفقهم وروح الإقليمية التي شاعت بينهم، سيكونون من أشد المساعدين على
بث اليأس والهزيمة النفسية، وهل يعي المسلمون الدرس الأعظم في تاريخنا، وهو
مقتل الخليفة الثالث ظلماً وعدواناً، تلك المحنة الداخلية التي كانت أوقع أثراً في
المجتمع الإسلامي، وفي التاريخ الإسلامي من كل المحن الخارجية.
إننا لا نستطيع أن نقول لهؤلاء الذين يتشبثون بأنانيتهم وأغراضهم الخاصة،
ويدافعون عنها ولو ضعفت الدعوة وتمزق الصف - لا نستطيع إلا أن نذكّرهم
ونقول: اتقوا الله في هذه الأمة، التي تكاثر عليها الأعداء، فلا تكونوا عوناً لهم
وإن كنتم لا تقصدون ذلك، ورحم الله امرأً عرَف قدر نفسه.