خواطر في الدعوة
محمد العبدة
عندما آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار في
بداية تكون الأمة المسلمة والدولة الإسلامية لم يكن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يقرر مبدءاً أخلاقياً أو اجتماعياً فحسب، بل حل مشكلة اقتصادية واقعية،
فالمهاجرون الذين تركوا أموالهم وديارهم في سبيل الله لابد أن يعيشوا عيشة كريمة
وهم يؤسسون مجتمعاً وأمة، وإذا لم تحل مشكلتهم فماذا هم فاعلون؟ هل يضربون
في الأرض يبحثون عن الرزق حتى يعولوا أنفسهم وأهليهم، وإذن لا يستطيعون
المساهمة في تأسيس هذا البنيان العظيم.
فهذا الحل لابد منه في مثل هذه الأحوال ليشعر الفرد المسلم أنه في حماية
وطمأنينة من هذا الجانب، وأنه لن يُضيّع من إخوانه الذين سار معهم على درب
الإيمان، وعندئذ سترتفع طاقته الإيمانية والعملية أضعافاً مضاعفة، فلا يصبح ترك
الفرد المسلم وحيداً في ميدان الصراع والكد والتعب في مرحلة تأسيس الدعوة، لأن
ذلك يقلل كثيراً من فرص الإبداع والإنتاج.
وفي هذه الأيام العصيبة التي يرزح تحت وطأتها غالب المسلمين في العالم،
ويظهر الغرب بقوته الاقتصادية التي يضغط بها على الشعوب والدول ليفرض
شروطه المذلة ابتداء من البنك الدولي وانتهاء بجعل الدول الأخرى دولاً استهلاكية
تشتري كل ما ينتجه الغرب، كما أن أصحاب الجاه والمال من الذين أشربوا في
قلوبهم كره الإسلام يستخدمون العامل الاقتصادي للضغط على المسلمين وإذلالهم
لمحاربة الإسلام بشتى الوسائل؛ نتساءل هنا: أين المسلمون من عالم الاقتصاد
والتخطيط الاقتصادي، عالم المال الذي يسخر لإحقاق الحق، لماذا لم يُقتحم حتى
الآن، ولماذا يغلب على الذين اقتحموه الفشل والخيبة، متى يصبح المسلم (إنساناً
اقتصادياً) [1] يعرف قيمة المال الذي سماه الله سبحانه وتعالى في القرآن (خيراً) ؟
وبما أن المسلم لا يحب أن يتهم بالجشع والبخل والتكالب على الدنيا فهو
يتهرب من آن يكون (اقتصادياً) وهذا هو الخطأ واللبس في فهم هذه الناحية المهمة
في حياتنا، وكأنه ينسى كيف كان بيت مال المسلمين في عهد عمر -رضي الله
عنه-، وكيف كان يحاسب على النقير والقطمير، وكيف كان يهنأ [2] إبل الصدقة
حفظاً لثروة الأمه.
إن المسلم الذي يفهم الإسلام فى مراميه القريبة والبعيدة لا بد أن يكون
(اقتصادياً) ، والعربي عندما لا يتحضر بحضارة الإسلام سيعود إلى الإسراف
والتبذير الذي يظن أنه كرم وهو ليس بذلك، وبعضه يصل إلى حب السمعة والرياء
والأمة المسلمة لا يجوز أن تكون فقيرة تعيش على صدقات أعدائها.