المسلمون والعالم
باسم الحرية
ينحرون الحرية
يوماً بعد يوم تكتشف البشرية أن تقدمها المادي في جميع العلوم النظرية
والتطبيقية: في الطب والهندسة، في الكمبيوتر والالكترونيات، في علم الذرة
والمفاعلات النووية، كل هذا لم يقدم لها السعادة المطلوبة، ولم يشفها من شقائها
وأمراضها، لقد أنتج ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي أكبر عدد من العلماء ...
والمهندسين في علم الفضاء والعلوم النووية، ولكنه سجل أكبر إخفاق سياسي -
إنساني في هذا العصر، وفي مقابل هذا التقدم العلمي الهائل في الطب الوراثي وفي
علم (الجينات) الذي وصل إلى أن (تدر الأبقار حليباً يحتوي على عقاقير صالحة
لشفاء الأمراض البشرية) ومع هذا نرى الفقر والتمزق يلفان معظم ما يسمونه العالم
الثالث أو الرابع ... كما نرى التسلط الذي تمارسه الدول الصناعية الكبرى نحو
بقية دول العالم ومحاولة احتكار واحتجان الأموال بأيدي طبقة معينة وشعوب معينة، حتى تبقى على حالة من الرفاهية والازدهار لا تريد التنازل عنها.
إن الانفصام بين الدين والحياة بلغ مدى ربما لم يتوقعه أو يريده الذين دعوا
إليه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، هذا الانقطاع والقطيعة بين العقل
والقلب لم يؤد إلا للدمار النفسي والاجتماعي. ولذلك بدأت قطاعات كبيرة من
البشرية في العودة إلى الدين - أي دين - إلى الإيمان بقوة غيبية، يعودون إلى
الدين ولو كان ديناً ملفقاً غير صحيح، ففي الغرب وفي أمريكا بالذات نجد عودة
إلى البروتستانتية، وفي أمريكا الجنوبية عودة إلى الكاثوليكية، وفي الصين والهند
عودة إلى البوذية، وهذا مؤشر على أن التدين والإيمان بالغيب نظرة أصيلة في
الإنسان، وأن ما حاوله الملحدون والمستهزئون بالأديان من الابتعاد عن قوة مؤثرة
في حياة الإنسان، وأن الإنسان يقوم وحده؛ كل هذا لم يمنع من بحث الإنسان عن
شيء يفقده..
لقد رجع الملايين من المسلمين إلى دينهم في مناطق المسلمين التي احتلها
الروس زمناً طويلاً، وذاق أهلها المر والعلقم من هذا الاحتلال، وتنفس المسلمون
في أوربا الشرقية الصعداء، وبدأت رحلة العودة. وهناك مناطق في البلاد العربية
لم يصلها دعاة ولا علماء وتفاجأ الدولة بالشباب المتدين بالمئات والألوف. كيف
وقع هذا؟
إنها العودة إلى الدين بعد هذا الجفاء والجفاف، بعد رحلة الضنك والعذاب في
مسيرة القومية والاشتراكية والعلمانية، إلى آخر الشعارات الفارغة من أي مضمون
حقيقي، بعد رحلة العذاب مع الأنظمة التي احتقرت الشعوب واحتقرت حقوق
الإنسان، وأقامت نفسها آلهة لشعوبها، وعبيداً أذلاء لأعداء الإسلام.
إن الإسلام قادم رغم مظاهر الضعف هنا وهناك، والعجيب أن الذين يعادون
الإسلام يضعون رؤوسهم في الرمال ولا يحبون مواجهة الحقيقة، وهي حقيقة ما في
ذلك ريب، وأكبر دليل على ذلك شعب الجزائر الذي أعطى صوته للإسلام قبل أن
يعطيه لشخص أو لهيئة، لقد عبر عن مشاعره الداخلية، ووجد أمامه شباباً لم
يتلوثوا بالسرقات ونهب الخيرات، ولم يتلوثوا بالرشاوى والكذب والنفاق السياسي. لقد اتضحت الصورة وانكشف الغطاء، ومع أن هذا كان معروفاً من قبل ولكنها لم
تكن واضحة كما هي في هذه الأيام، إن هؤلاء المتسلطين لا يريدون الإسلام من
حيث هو، كانوا يتهمونه بـ (الإرهاب) و (الأصولية) فهل رحبوا به عندما جاءهم
عن طريق صندوق الاقتراع؟ الجواب ماثل وواضح في هذه الدعاوى الكاذبة التي
لا ينقصها شيء من الوقاحة وقلة الحياء، وهذه التعليقات التي قيلت حول انتخابات
الجزائر.
إذن فالمقصود إبعاد الإسلام بأي شكل من الأشكال، وليست القضية قضية
عنف أو سلام، ولقد قالوها دون حياء أو خجل ومحاولاتهم هذه إنما تعرقل المسيرة
وتؤخر اليوم المحتوم، ولكن تبقى الحقيقة قائمة هي أن الإسلام قادم ولو كره
المشركون، والحمد لله أولا وأخيراً.