مجله البيان (صفحة 1039)

المدارس الأهلية: الواقع المرير والأمل المنشود

المدارس الأهلية

الواقع المرير والأمل المنشود

محمد الناصر

تؤسَّس المدارس الأهلية عادة من أجل أهداف خاصة يحددها أصحاب هذه

المدارس، أو المؤسسات التي أقامتها، أو لسد حاجة تعليمية ملحة لم تغطها

المدارس الحكومية.

وقد كانت البعثات التبشيرية سباقة إلى هذا المجال في بلاد المسلمين،

لأغراض التبشير تحت مظلة الاستعمار الحديث، وما يزال تأثيرها قائماً حتى الآن.

ثم قامت مدارس وطنية في بلاد المسلمين، بعضها سار على نهج العلمانيين

متأثراً بالهجمة الفكرية الغربية، وبعضها الآخر أراد أصحابه إيقاف هذا الغزو

الصليبي، فأنشأ مدارس متناثرة في أنحاء العالم الإسلامي لنشر تعاليم هذا الدين

الحنيف، وهذا الذي يعنينا في هذا المقال.

المدارس التبشيرية الأجنبية:

ركز أعداؤنا على زرع المدارس والجامعات في بلادنا منذ مطلع هذا القرن،

من أجل تشكيك أبناء المسلمين في قيم الإسلام ومعتقداته باسم العلم والمعرفة،

وتمكنوا من تخريج كثير من أبناء المسلمين، قاد بعضهم دفة الحكم في أقطارهم

فترة من الزمن، فكانوا أسوأ خلف لشر سلف من أسيادهم. فقد اعتبر هؤلاء أن

(المدارس من أحسن الوسائل لترويج أغراض المبشرين) [1] .

حرص هؤلاء أن تؤسس هذه المدارس والجامعات على النمط العلماني الغربي

ظاهراً. يقول تاكلي: (يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن كثيراً من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب

المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية) !

وكانت الأغراض الحقيقية إذن من إنشاء هذه المدارس والجامعات هو

التخريب العقائدي والفساد لمصلحة المستعمر، تحت مظلة العلم والمعرفة والتحديث

والعلمانية. وقد تنوعت وسائل المبشرين في أعمالهم هذه فأسسوا المدارس للأطفال، وللبنات، وأنشأوا قسماً للطب وآخر لنشر الإنجيل [2] .

ومن وسائل المبشرين في كل من سورية وفلسطين:

1- توزيع نسخ من الإنجيل.

2- التبشير عن طريق الطب..

3- المدارس والكليات..

4- الأعمال النسائية مثل: زيارة المبشرات لمنازل المسلمين وإلقائهن

المحاضرات الخاصة [3] .

وكانوا يستغلون الفقر والحاجة في بعض بلاد المسلمين، فيختارون الأطفال

دون سن الخامسة لقاء مبلغ من المال، ويرسلون بعضهم - بعد تدريسهم في

مدارس التبشير - إلى فرنسا، كما حصل في السنغال، إذ يعود الصبي مسيحياً إلى

بلاده، ويُمنح حق المواطن الفرنسي في المستعمرات من حيث المستوى،

الاجتماعي والوظائف. ومن أمثلة هؤلاء: سنغور (سان جورج) رئيس جمهورية

السنغال السابق، فهو مسيحي، لكن أبويه وإخوته مسلمون [3] .

لقد خرَّجت المدارس والجامعات التبشيرية كثيراً من قادة الفكر والسياسة في

بلاد المسلمين، ومعظمهم من النصارى والموتورين، ومن أبرزهم: ميشيل عفلق، وجورج حبش، وقسطنطين زريق وأنطون سعادة [4] .

واهتمت هذه المدارس الأهلية بتعليم المرأة المسلمة لإخراجها من دينها عنوة؛

تقول الصليبية (آنَّا مليجان) : (ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من تعليم بنات المسلمين في مدارس التبشير الخاصة، إن القضاء على الإسلام يبدأ من هذه المدارس التى أنشئت خصيصاً لهذه الغاية، والتي تستهدف صياغة المرأة المسلمة على النمط الغربي، الذي تختفي فيه كلمة الحرام والحياء

والفضيلة) ! [5] .

لقد نجحت هذه المدارس الأهلية في أداء مهمتها بالعمل الجاد وحسن التخطيط

واتباعها وسائل تربوية حديثة مستفيدة من دعم الأثرياء ورجال الكنيسة وحكومات

الاستعمار.

المدارس الأهلية الإسلامية:

شعر المسلمون بالخطر وقد أفسد عليهم أبناءهم، فحاول بعض أهل الخير

والغيرة أن يرمموا بعض هذا الخراب وأنشأوا عدداً من المدارس الأهلية المتناثرة

في أنحاء بلادهم، اعتباراً من الأقطار العربية في آسيا وإفريقية أو في بلاد

المسلمين في هاتين القارتين، ثم تبعتها محاولات لأبناء الجاليات الإسلامية في

أوربا وأمريكا.

كانت جهود هذه المدارس طيبة، ويكفي المخلصين من أصحابها الأجر

والمثوبة إن شاء الله ... إلا أنها ما تزال تتعثر في أساليبها ومناهجها، ويسود

معظمها الارتجال وأخطاء أخرى، أبعدتها عن تحقيق الأهداف المرجوة، ويمكن

الإشارة إلى أهم هذه الأخطاء والانحرافات:

أ- يسود معظمها الارتجال وعدم التخطيط؛ إذ سرعان ما تنشأ الفكرة ثم

يبحث عن المبنى وبعد ذلك تكون الصدمة في عدم وجود الكوادر الإدارية المناسبة

ولا هيئة التدريس المؤهلة، ولا حتى فكرة واضحة عن المناهج الإضافية والأنشطة

المختلفة.

ب - الإشراف والإدارة: بسبب السرعة قد لا يوضع الرجل المناسب في

المكان المناسب، فيضطر أهل الخير لاختيار مشرفين أو إداريين من غير ذوي

الاختصاص التربوي.

وإنه لأمر طبيعي أن يشرف المهندس على مباني المدارس وتهيئتها صحياً،

وأن يباشر الطبيب المسلم الإشراف على علاج أبناء المسلمين فيها، وأن يستلم

المدرس التربوي أمر التدريس أو الإشراف الإداري إن كانت خبرته كافية.

أما أن يسلم الإشراف والإدارة إلى المهندسين والأطباء أو التجار، فإنه لأمر

مفزع ومؤسف حقاً حيث لا يستفاد من الكفاءات والاختصاصات في مجالاتها

المناسبة ثم يقال بعد ذلك: ليس بالإمكان أحسن مما كان ... هاتوا البديل.

ج - الهاجس المادي: وهو من العوائق التي تقف أمام اختيار الكفاءات في

التدريس، وهو الشبح الذي يجعل أصحاب الحاجات يرتضون بالأجر الزهيد.. أو

هو الذي يقدم الخريجين الجدد؛ لأن رواتبهم أقل وطبيعي أن عطاء هؤلاء سيكون

ضعيفاً. وبذلك يتحول أطفال المسلمين إلى مراكز تجارب وتدريب.. حتى إذا

اكتسب المستجدون الخبرة، أو اكتفى صاحب الحاجة تحوَّل المدرسون إلى

الوظائف الأخرى ذات الحوافز الأفضل! . وهكذا يستمر التخبط. أين أموال

المسلمين الفائضة؟ أين التضحيات العقَدية؟ ! ابحث عنها في المحاضرات

والخطب والتنظير.

د- أما رياض الأطفال [6] : فكثير منها أصبح أشبه بأماكن يتجمع فيها

الأطفال في ملعب آمن على سلامة أبدانهم. أما حالتهم النفسية، وحالتهم العقدية

والدينية، وقدراتهم العقلية فحدِّث عنها ولا حرج. إنها تُوأد بخشونة المعاملة أو

الجهل بنفسية الأطفال فيتخرج هؤلاء في المجتمع وقد امتلأوا بالعُقد النفسية،

والانحرافات الخلقية.

وبعض هذه المدارس لا يتفاعل مع خصائص الطفولة فيثقل على الأطفال

بتحميلهم فوق قدراتهم، فيكرهون المدرسة بدلاً من أن يرتاحوا إليها.

هـ - ومما يعرقل تقدم هذه المدارس - ويعيق العملية التربوية في بعض

المدارس الجادة - تدخُّل حكومات تلك البلاد، فإذا كانت علمانية فهي حاقدة تجهض

كل تحرُّك للمدارس الإسلامية.

وإذا كانت (بين بين) أربكت هذه المدارس بكثرة تدخل الموجهين أو

الإداريين، وقد يكون هؤلاء ممن لا خبرة لديهم، أو لا يؤمنون بعقيدة أو هدف هذه

المدارس، فيستغلون عصا السلطان بشراسة، ويذكّروننا بسلطة المندوب السامي

أيام الانتداب المشؤوم. وربما تحولت هذه المدارس بسبب هذا التدخل أو بسبب

الأخطاء السابقة - إلى مكان للمشاحنات والدسائس فتضيع الأهداف وتُنسى الغايات، ولا تكفي النية الطيبة في إنشاء هذه المدارس مادامت لم تحقق أهدافها.

هذه صورة مجملة أستخلصها من متابعتي لهذا الموضوع في عدد من ديار

المسلمين، ولعلّي لا أكون متشائماً واليأس ليس من شيم المؤمنين، ولكن الكلمة

الصريحة الصادقة واجبة ولو كانت مُرة لأنها أمانة تؤرق أصحابها.

فلابد من:

1- التخطيط في وضع المناهج الجادة المساعدة ذات الهدف العقدي والأخلاقي.

2- ومن تقديم أصحاب الخبرة والكفاءة في الإدارة والتدريس.

3- وألا يشغل الهاجس المادي أصحاب المدارس، فربح ضئيل مع الأجر

العظيم خير وأبقى.

4- التعاون بين المدارس الإسلامية، والاستفادة من الخبرات فيما بينها، لأن

رسالتها رسالة عظيمة.

إننا نريد من هذه المدارس - ومدارس المسلمين عموماً - أن تخرّج الدعاة

والمصلحين؛ إذ ما بال مدارس التبشير قد تضافرت جهود القائمين عليها - رغم

باطلهم - والمسلمون تتفرق كلمتهم رغم الحق الذي يحملونه؟ !

وإنه لأمل يراودنا في نجاح هذه المؤسسات، وأن تقوم بدورها العظيم،

وتحقق الأمل المنشود.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015