مازن عبد الله
يتمتع غالبية يهود الولايات المتحدة بمداخيل مادية ضخمة ونفوذ كبير في
المؤسسات المالية والاجتماعية والسياسية، وبالإضافة إلى مناخ الحريات الشخصية
هناك؛ فضَّل هؤلاء البقاء على الهجرة ومناصرة إسرائيل من مواقعهم المؤثرة
داخل الولايات المتحدة الأمريكية.. ولما كانت هجرة يهود أمريكا محكومة بهذه
الظروف التي تجعل هذه الهجرة محدودة، كان أمل (إسرائيل) مركزاً على
هجرات كثيفة من دول الكتلة الشرقية عامة والاتحاد السوفييتي بشكل خاص ...
لقد ركزت الحركة الصهيونية على الضغط على الاتحاد السوفييتي للسماح
لليهود السوفيات بالهجرة، واستخدمت في سبيل ذلك كل وسائل الضغط السياسي
والإعلامي بربط موضوع الهجرة بحقوق الإنسان، كما تحرك اللوبي الصهيوني في
الولايات المتحدة ليجعل موضوع هجرة اليهود السوفييت على جدول أعمال أية
مباحثات تدور بينها وبين الاتحاد السوفييتي ... وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية،
كان اليهود وحقوقهم الثقافية والدينية وهجرتهم في صلب المواضيع التي دارت
حولها الحرب الباردة. وقليلة هي الاجتماعات التي عُقدت بين مسؤولين أوروبيين
أو أمريكيين ومسؤولين سوفيات بعد الحرب، ولم يكن موضوع الهجرة اليهودية
ضمن جدول اعمالهم، فبقي هذا الموضوع مشهراً في وجه الاتحاد السوفييتي مع
تعاقب قياداته ومسؤوليه.
وقبل الدخول في تفاصيل هجرة يهود الاتحاد السوفييتي نود الإشارة إلى
هجرتين سبقتا هذه الهجرة، ولو أنهما كانتا أقل أهمية وأصغر حجماً..
هجرة يهود إيران:
لقد كان الشاه متعاطفاً مع (إسرائيل) ، وكانت له علاقات وثيقة بها. ونتيجة
لهذه الصلة فقد كانت هجرة يهود إيران محكومة بالظروف الاقتصادية والعقائدية
لهؤلاء اليهود، شأنهم شأن يهود أمريكا، فقد آثر أثرياء اليهود الإيرانيين البقاء في
إيران وإمداد (إسرائيل) بالدعم المادي والمعنوي، ذلك أن الكثيرين منهم كانت لهم
السيطرة على بعض قطاعات الاقتصاد الإيراني، ولم يغادر إيران سوى القليل من
أصحاب الدخول المتدنّية والمتعصبين الدينيين.
عندما نجحت الثورة في إيران وأُسقط الشاه، بدأ اليهود هناك يخططون
للهجرة إلى إسرائيل بأعداد كبيرة.. وبقدر ما كانت (إسرائيل) منزعجة من
التوجهات المعلنة للثورة الإيرانية، فقد أسعدها أن تتدفق موجات المهاجرين من
اليهود الإيرانيين إليها. وهكذا، فعندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية وصدرت
قرارات حظر توريد السلاح الأمريكي إلى إيران التي تعتمد قواتها المسلحة اعتماداً
أساسياً على السلاح الأمريكي جاءت (إسرائيل) لتنتهز الفرصة، وبعد اتصالات
سرية، قامت بشحن قطع غيار لطائرات الفانتوم والدبابات الأمريكية مع كميات من
الذخيرة، وذلك مقابل السماح بإقامة جسر جوي حمل الآلاف من اليهود الإيرانيين
إلى (إسرائيل) . ولكن هذه الرحلات توقفت بعد فترة قصيرة من بدئها وذلك
لأسباب عديدة ما لبثت أن حُلت، فأُكملت الصفقة التي كانت تحلم بها (إسرائيل) ،
وذلك في سبتمبر عام 1987، حيث سمحت إيران بهجرة حوالي 30000 يهودي
إيراني بدأ عن طريق تركيا، ثم جواً أو بحراً من تركيا إلى (إسرائيل) .
هجرة يهود أثيوبيا (الفلاشا) :
الولايات المتحدة الأمريكية وبشخص رئيسها جورج بوش - تتدخل لدى
أطراف عديدة في منطقة البحر الأحمر لتنفيذ عملية مدنية عسكرية، قام خلالها
الجيش الإسرائيلي (بمهمة إنسانية) لإنقاذ مجموعة يهودية (معرضة للإبادة) . لقد
بدأت العملية ليل 26 من أيار عام 1991 حيث تمكنت (إسرائيل) من نقل حوالي
14500 يهودي أثيوبي من أديس أبابا إلى تل أبيب خلال ست وثلاثين ساعة على
متن أربعين طائرة عملاقة معظمها تابع للجيش من طراز هيركوليز -130سي،
وأخرى استؤجرت وأزيلت مقاعدها فحُشر فيها الفلاشا حشراً وهم جلوس على
أرضيتها؛ لتتسع لأكبر عدد منهم!
لقد بدأت عمليات تهجير الفلاشا إلى (إسرائيل) في بداية الثمانينات. ومع
ظهور الحاجة إلى مزيد من المهاجرين لزيادة الكثافة السكانية مهما كانت مهاراتهم
قليلة - بدأت الوكالة اليهودية بتنظيم حملة لجمع التبرعات خاصة في كندا
والولايات المتحدة لتمويل عملية تهجير يهود أثيوبيا.
في أواخر السبعينات، كانت الوكالة اليهودية قد بعثت ببعض عملائها
ووعاظها ليعيشوا بين يهود أثيوبيا. وهناك تمكن هؤلاء من نشر فكرة أن اليهود
الأثيوبيين سيتعرضون في المستقبل القريب إلى حملات الاضطهاد وإرهاب من قِبَل
عناصر معادية للسامية، بالإضافة إلى توزيع نشرات دعائية عن أرض الميعاد
والخير والنعيم الدائم الذي ينتظر كل يهودي يهاجر إليها.
على صعيد آخر، وخلال زيارته إلى أمريكا في محاولة لشراء السلاح،
اصطدم الرئيس الأثيوبي منغستو هيلا ميريام برفض أعضاء الكونغرس الموافقة
على بيع سلاح أمريكي لأثيوبيا. عندئذ نصح البعض منغستو بالاستعانة بنفوذ
(إسرائيل) في الكونغرس. وكان (بيغن) آنذاك في الولايات المتحدة يجري
مباحثاته الشهيرة مع أنور السادات في كامب دافيد.. وهكذا تم اتصال منغستو
ببيغن الذي رحب بشدة بهذه الفرصة الذهبية، فتم الاتفاق - وبعد مباحثات
قصيرة - على أن تقوم إسرائيل، بواسطة اللوبي الصهيوني بالضغط على الكونجرس ليوافق على تزويد أثيوبيا بالسلاح مقابل أن يوافق الرئيس الأثيوبي على إقامة جسر جوي بين أديس أبابا وتل أبيب لنقل اليهود الفلاشا.
لقد بدأت عمليات تهجير اليهود الفلاشا مع مطلع عام 1981، عندما قامت المخابرات الإسرائيلية، وبالتنسيق مع المخابرات الأمريكية ال CIصلى الله عليه وسلم بعملية تهريب 140 يهودي أثيوبي على متن طائرة تجارية كانت تقوم برحلات إلى أديس أبابا لنقل البضائع. قام بتنفيذ العملية والإشراف عليها وقتئذ منظمة تدعى.. المنظمة الأمريكية، وهي منظمة تعمل كغطاء لوكالة المخابرات الأمريكية في المنطقة.. بعد فترة قصيرة، استطاعت المخابرات الإسرائيلية نقل حوالي ألف يهودي أثيويى سرا إلى إسرائيل. وهكذا توالت عملية تهجير الفلاشا إلى إسرائيل وبأعداد قليلة حتى سنة 1982 حين تم اكتشاف إحدى العمليات في مطار أديس أبابا فتوقفت العمليات.. وعندما كانت إسرائيل بأمس الحاجة إلى هجرة كثيفة تساعدها في إنشاء مستوطنات جديدة تغطي الأراضي العربية التي احتلتها وأخرى تخطط، ومن هنا بدأ التفكير الجدي في البحث عن طرق أخرى لتهجير يهود أثيوبيا وبكثافة كبيرة.
عملية موسى:
بدأت العملية عندما استطاعت المخابرات الإسرائيلية، وعن طريق
المخابرات الأمريكية، الاتصال بالملياردير عدنان الخاشقجي والاتفاق معه على أن
يتوسط لدى الرئيس السوداني جعفر النميري من أجل إتمام صفقة ليحصل فيها
النميري على مبلغ 56 مليون دولار، توضع في حساب سري باسمه في أحد فروع
بنك أوروبي بروما، كما يدفع فيها مبالغ إضافية لبعض مساعديه وفي مقدمتهم
اللواء عمر الطيب ومساعده لشؤون القصر الدكتور بهاء الدين إدريس في مقابل
مساهمة ومساعدة هؤلاء في عملية تهجير اليهود الأثيوبيين عن طريق السودان إلى
إسرائيل.
وفي منتصف عام 1984، وفي قصر عدنان خاشقجي في نيروبي عاصمة
كينيا، تم الاجتماع المنتظر والذي ضم جعفر النميري وآرييل شارون وعدنان
خاشقجي بالإضافة إلى الدكتور بهاء الدين إدريس وبعض مسؤولي الموساد. وعلى
أثر هذا الاجتماع تم الاتفاق على عقد الصفقة وتنفيذ العملية.
بعد اجتماع نيروبي، بدأ الإعداد لتنفيذ العملية بإنشاء معسكر خاص في منطقة
القضارف ومعسكر آخر في منطقة (تبواوا) ، وكلاهما منطقة نائية تقع على
الحدود السودانية الأثيوبية، وأعدا بشكل يظهران فيه بأنهما مجرد معسكرين
للاجئين يأوي إليهما اللاجئون الأثيوبيون.. وعلى صعيد آخر اتصلت المخابرات
الإسرائيلية برجل أعمال يهودي بلجيكي اسمه جولتمان وهو صهيوني متعصب
يملك أسطولا من الطائرات متعددة الأحجام والطرز، وطلبت مساعدته. فوافق على
الفور وجهز أسطولا من الطائرات المناسبة لتنفيذ العملية، ووضع عليها اسم ...
(شركة ترانس يوروبيان اير لاينز) باعتبارها شركة نقل بلجيكية تعمل على نقل مواد الإغاثة إلى السودان.
بعد الاطمئنان إلى دقة الترتيبات صدر قرار البدء بتنفيذ العملية. وكان ذلك
يوم 20/11/1984 وفعلا، وصلت الأوتوبيسات التي تحمل الدفع الأولى من
المهاجرين اليهود الأثيوبيون إلى مطار الخرطوم قادمة من منطقة القضارف ودخلت المطار تحت حراسة وإجراءات أمنية مشتددة، حيث كان بانتظارها السفير الأمريكي شخصيا والذي جاء ليطمئن بنفسه على صعود المهاجرين الفلاشا إلى الطائرة. ... وهكذا بدأت رحلات الهجرة وحسب الخطة المرسومة بحيث تقلع الطائرات من الخرطوم وتتجه إلى العاصمة البلجيكية بروكسيل، فتهبط هناك للتزود بالوقود
على أنها طائرات ترانزيت عابرة، ومن ثم تقلع مباشرة إلى (إسرائيل) ... لقد
استمرت تلك العملية فترة على هذا المنوال، قامت خلالها الطائرات البلجيكية بثمانٍ
وعشرين رحلة نقلت فيها حوالي عشرة آلاف يهودي أثيوبي إلى (إسرائيل) ، حتى
توقفت بعد حادثة تسرب الغاز في أحد مخازن البضائع التي كان يُخبَّأ فيها اليهود
الفلاشا وانكشاف العملية.. فلقد اعترف متحدث رسمي إسرائيلي في مؤتمر صحفي
يوم 16/1/1985 بأن (إسرائيل) قد رتبت فعلاً تلك العملية السرية التي تحدث
عنها بزهو وفخر واعتبرها من أهم العمليات التي نفذتها مخابرات بلاده بنجاح.
عملية سبأ:
بعد انكشاف أمر العملية الأولى أي (عملية موسى) ، أخذت المخابرات
الأمريكية على عاتقها أمر تنفيذ العملية التالية والتي أطلق عليها اسم عملية (سبأ) .
وفي 6/3/1985 قام الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش -والذي كان يشغل في
تلك الأثناء منصب نائب الرئيس - بزيارة خاصة للسودان فاجتمع بالرئيس النميري
وأقنعه بالعملية الجديدة التي وعده بأن المخابرات الأمريكية بكل ثقلها هي التي
ستتولى تنفيذها. لقد وافق النميري على العملية شرط أن لا تتوجه الطائرات
الأمريكية التي ستقل الفلاشا إلى (إسرائيل) مباشرة وإنما تتوجه إلى إحدى القواعد
الأمريكية في أوروبا أولاً ومن ثم تتابع رحلتها إلى (إسرائيل) ، ولكن عند بدء
تنفيذ العملية في 18/3/1985 تجاهلت المخابرات الأمريكية هذا الشرط؛ فكانت
طائرات الشحن العسكرية تقلع من إحدى القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا
لتصل إلى مطار العزازا بشرق السودان ثم تقلع بحمولتها من يهود الفلاشا مباشرة
إلى أحد المطارات العسكرية الإسرائيلية في النقب.
لقد اختارت المخابرات الأمريكية مطار العزازا المهجور كبديل عن مطار
الخرطوم؛ وذلك لقربه من منطقة (القضارف) ولسهولة إحكام السيطرة الأمنية
عليه، فهيأت ممراته بحيث يصبح جاهزاً لاستقبال طائرات النقل العسكرية
الضخمة من طراز سي 135 والتي استخدمتها في تلك العملية ... لقد شارك في
تنفيذ العملية - وزيادة في التمويه - موظفو هيئة الإغاثة الدولية الذين تم تجنيدهم
لصالح المخابرات الأمريكية. ولكن بالرغم من كل تلك الاحتياطات والتدابير
الأمنية المشددة، فقد تسربت أنباء تلك العملية وخاصة بعد حادثة مراسل صحيفة
(لوس أنجلس تايمز) ، وذاع السر، فبدأت تتناقله في 22/3/1985 - الدوائر
الصحفية والسياسية، وهكذا توقفت العملية الثانية بعد فترة قصيرة من بدئها، قامت
الطائرات الأمريكية العسكرية خلالها بست رحلات فقط نقلت فيها آلاف اليهود
الفلاشا إلى (إسرائيل) .
التغييرات الدولية والعملية الجديدة:
في عام 1989، وعندما بدأت ملامح تغير موازين القوى الدولية والإقليمية
تظهر - خاصة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي ومن ثم بين (إسرائيل) والدول
العربية - أعلنت أثيوبيا عن إعادة علاقاتها الديبلوماسية مع (إسرائيل) ، بعد
قطيعة دامت 22 سنة. عندئذ بدأت (إسرائيل) تخطط لعقد صفقة مع أثيوبيا تكون
عملية تهجير اليهود الفلاشا من أهم عناصرها. وهكذا لم تستغرق المسألة وقتاً
طويلاً حتى تمكنت (إسرائيل) من عقد صفقة مهمة مع أثيوبيا، وإن لم تستطع أن
تحقق كل ما كنت تطمح له وبالسرعة التي تريدها ... فلقد وافقت (إسرائيل) على
إمداد أثيوبيا بالسلاح والعتاد والمستشارين العسكريين ومستشارين في مجال الري
والزراعة ومجالات أخرى، مقابل موافقة أثيوبيا على السماح لإسرائيل بإقامة قاعدة
تنصت واستشعار عن بُعد في إحدى الجزر الأثيوبية بالبحر الأحمر، بحيث يمكِّنها
هذا الموقع من التجسس الالكتروني على السعودية واليمن، وموافقتها على تهجير
اليهود الفلاشا من أثيوبيا إلى (إسرائيل) . وفعلاً، فلقد تأكد لدى دوائر المخابرات
أن تهجير يهود أثيوبيا إلى (إسرائيل) بدأ مباشرة بعد وصول أول دفعة من الأسلحة ...
الإسرائيلية إلى أثيوبيا.
عملية جسر سليمان:
وكما ذكرنا في مطلع حديثنا عن اليهود الفلاشا، فلقد تابع رئيس الولايات
المتحدة الحالي وعرَّاب عملية سبأ (جورج بوش) وبصورة شخصية - الجهود
الرامية إلى ترحيل حوالي 16 ألفاً من الفلاشا إلى (إسرائيل) ، خوفاً عليهم من
مغبة انفجار الوضع في أديس أبابا وخاصة بعد انهيار حكومتها.
فبعد انتهاء حرب الخليج وانقلاب موازين القوى السياسية والعسكرية، الدولية
والإقليمية، وتفرد أمريكا شبه التام بالساحة الدولية - أوعزت إلى بعض عملائها
في بعض الجبهات الثورية في جنوب وغرب أثيوبيا وأعطتهم الضوء الأخضر من
أجل تفجير الأوضاع في البلاد. وعندما انفجر الوضع في أثيوبيا، سارع جورج
بوش ليتصل بادئ الأمر، وحسب مراسل صحيفة (نيو يورك تايمز) - بالرئيس
الأثيوبي منغستو هيلا ميريام وناشده الإسراع بترحيل ما تبقَّى من اليهود الفلاشا من
أثيوبيا إلى (إسرائيل) و (لأسباب إنسانية) . لِلمّ شملهم مع أسرهم وأقربائهم الذين
تم ترحيلهم من قبل في عمليتي موسى وسبأ. ولكن عندما ربط منغستو موافقته على
هذا الطلب مقابل موافقة أمريكا على إمداد حكومته بالسلاح وإعطائه مئة مليون
دولار نقداً؛ تخلى عنه بوش.
بدأت الأحداث تتسارع في أثيوبيا، وبدأ الثوار الذين تمثلهم (جبهة الشعب
الأثيوبي الديموقراطية الثورية) و (جبهة ثوار أورومو) و (الجبهة الشعبية
لتحرير أرتيريا) يحرزون نجاحات سريعة في زحفهم نحو العاصمة وميناء عصب
(الميناء الوحيد الذي يربط أثيوبيا بالعالم الخارجي) ، فشعر منغستو بدنو أجل ...
حكومته فتنازل عن الحكم لنائبه تيسفاي كيدان الذي شكَّل حكومة جديدة بعد هروب
منغستو إلى زيمبابوي حيث طلب حق اللجوء السياسي؛ عندئذ عادت أمريكا لتدخل
على خط الأحداث ثانية. والغريب أن المفاوضات حول ترحيل اليهود الفلاشا لم
تكن تتم بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأثيوبية. ولكن عبر وسيط أمريكي،
هو اليهودي هيرمان كوهين، مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية.
وكان المبرر الذي تجري بموجبه هذه المفاوضات هو محاولة عقد مؤتمر لحل
النزاع بين الثوار والحكومة الأثيوبية والذي اتخذت لندن مقراً له. في تلك الأثناء
كانت الأحداث تتسارع في أثيوبيا وبدأت كفة الميزان تترجح لصالح الثوار الذين
سيطروا على ميناء عصب وعلى غالبية المواقع الاستراتيجية في البلاد وبدأوا
زحفهم الأخير نحو العاصمة. عندئذ طلبت الحكومة الأمريكية - ممثلة بكوهين -
تأجيل المفاوضات في لندن وتأجيل اقتحام الثوار العاصمة، وكان هدف كوهين من
هذا التأجيل هو الحصول على مهلة تسمح بنقل الفلاشا عبر جسر جوي يربط بين
أديس أبابا و (إسرائيل) قبل تدمير العاصمة عند اقتحامها.. وهكذا كان، فلم
يستغرق الأمر أكثر من خمسة أيام و35 مليون دولار، كانت من نصيب الحكومة
الأثيوبية، تم خلالها نقل جميع اليهود من الفلاشا - الذين جُمعوا في مخيمات قرب
السفارة الإسرائيلية في العاصمة - عبر مطار أديس أبابا إلى (إسرائيل) .
بعد انتهاء هذه العملية التي أطلق عليها اسم عملية (جسر سليمان) مباشرة،
استؤنفت في 27 من أيار عام 1991 المفاوضات التي أعلن فيها كوهين القرار
الأمريكي بإعطاء الضوء الأخضر للثوار باقتحام العاصمة. وهكذا سقطت العاصمة
وسقطت معها الحكومة، وأسدل الستار على ما عُرف بقصة اليهود الفلاشا في
أثيوبيا.