خواطر في الدعوة
محمد العبدة
كانت القاعدة الأساسية التي سار عليها العلماء الربانيون من هذه الأمة في
تعليم الناس وتربيتهم هي حمْلهم على الطريق الوسط، فلا غلو ولا تقصير، ولا
تيئيس ولا طمع، ونريد تطبيق هذه القاعدة الآن في قضية ما يقال عن خوف
الغرب من المسلمين ومن الصحوة الإسلامية، وأنه يحسب لها ألف حساب؛ وأن
التحدي الكبير بعد سقوط الاتحاد السوفييتي هو الإسلام والمسلمون، ونعلن بهذا في
صحفنا وخطبنا، فهل يصح في التربية القويمة أن نميل بالناس إلى جانب
الاطمئنان والركون إلى قوة الصحوة وخوف الغرب منها، وهل نحن أقوياء حقيقة
أم أننا نخادع أنفسنا؟ ! .
إن واقع المسلمين الحالي من الضعف والتفرق والخراب الاقتصادي وتراجع
القوة العسكرية، وصراع القبائل والعشائر ما يدل على أنه غير مخيف، ولكن إذا
عرفنا كيف يفكر الغرب، وكيف يحتاط للمستقبل البعيد، ويستعد للأمور قبل أوانها، فالجواب: نعم، الغرب يخشى من الإسلام ومن المسلمين؛ لأنه يحذر أن تفاجئه
الأحداث بشيء لم يكن يتوقعه، بنهوض سريع لم يحسب له حساب، خاصة وأن
الإسلام يزحف بشكل مستمر، سواء في كسب أنصار جدد أم في عودة المسلمين
إلى دينهم.
ولا نستبعد أن يضخم الغرب هذا الموضوع كي نفرح ونعيش أحلاماً سعيدة،
وهو غير بعيد عن استعمال هذه الأساليب في مقارعة الخصوم، حتى يؤلب شعوبه، ويستنفر الطاقات وله في ذلك أحاييل شديدة الخبث، وما بالك بأقوام دأبوا منذ
ثلاثة قرون على استعمار الأرض ونهب خيراتها، وصدق من قال: إن الغرب
تعمق في مسائل علم النفس كي يستخدمه في أغراضه الاستعمارية.
هذا الكلام ليس لغرس اليأس والإحباط في النفوس، وإنما لنعرف مواقع
ضعفنا وقوتنا، وكيف نستكمل مواطن القوة، ومن أين يأتينا الخلل، وليس من
الأساليب الحكيمة أن نُفرح الشباب المسلم بأننا قوة يخشى بأسها ثم يتبين لهم بعدئذ
ما يؤيد عكس هذا، بل نعطي أنفسنا الحجم الحقيقي، ونكون متفائلين بأن الإسلام
هو الغالب بإذن الله، وسيبلغ أقطار الأرض، وهو التحدي الحضاري أمام الغرب
فعلاً، ولا يوجد أمة أو شعب يملك منهجاً متكاملاً - به يُعتز وبه يتميز - مثل
المسلمين، والغرب يكره أشد الكراهية من يتعالى عليه، ولكن هذا المنهج يحتاج
إلى تطبيق على أرض الواقع.