تعمدني بنصحك في انفرادي ... وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع ... من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي ... فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
بل إن بعض النفوس ترفض حتى الإسرار في النصيحة إذا كانت مباشرة فلا تود أن تبدو ناقصة أمام الآخرين، وهذا النوع من النفوس الحساسة ينبغي أن ينصح بطريقة غير مباشرة، ليكون ذلك أدعى للقبول.
وإذا كانت النصيحة في العلن من الأمور المكروهة ضد عامة الناس فهي أشد كراهة في حق أصحاب النفوذ وهي أكثر شدة عليهم من عداهم، حتى جعلت الخليفة العباسي هارون الرشيد والذي يعد بحق من خير خلفاء بني العباس، يذكر للأصمعي بعض مبادئ النصح لأصحاب السلطان كان أولها عدم النصح في الملأ (?) . إذ يقول: (يا عبد الملك، أنت أعلم منا، ونحن أعقل منك، فلا تعلمنا في ملأ، ولا تسرع إلى تذكيرنا في خلا، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال، فإذا بلغت من الجواب قدر الاستحقاق فلا تزد، إلا أن نستدعي ذلك منك، وانظر إلى ما هو ألطف في التأدب، وأنصف من التعليم، وأبلغ بأوجز لفظ غاية التقويم) (?) .
ولقد أدرك السلف الصالح من هذه الأمة أهمية النصيحة في السر لولي الأمر، وكانت طريقتهم في نصيحة ولي الأمر في السر حفاظا على حدة الأمة؛ ولكي لا يتخذ المتربصون من أخطاء ولي الأمر سبيلا لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب من ولاة الأمر فهو عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس (?) .