تقسيم النفوذ والسيطرة على مقدرات الشعوب، فتتبعها تبعية غير منظورة فتحس تلك الشعوب بالحرية والاستقلال بينما هي ترسخ في قيود الذل والتبعية، تدور في فلكها وهي واهمة ذاهلة تحسب أن لها الاستقلال في قراراتها ومقدراتها وما هي بذلك.

ويحول الغزو الفكري بين الأمة وتاريخها وتراثها، وماضي رجالها وثقافتها فلا ترى سوى تاريخ الغازي، ولا توضع أمثلة إلا من رجاله فتكون الطامة الكبرى عندما تضيع المثل العليا ويتم التعتيم الكامل على أمجاد الأمة.

وعندما تغالب وتزاحم لغة الغالب لغة المغلوب، فهي أيضا تراث حضاري ينبغي القضاء عليه حتى تسلم المغلوب إلى غيابات التيه الكامل عن تراثه وتضيع معالم شخصيته، وإن لم تستطع اللغة الغالبة هذا التزاحم فتضعفها بإحياء اللهجات الإقليمية والعامية.

ومن الغزو الفكري أن تسود أخلاق الغزاة في أخلاق الأمم المغزوة، والأخلاق هي مقياس تقاس به الأمم، فهي تنبع من القيمة الأصيلة للأمم تلك التي تحكم سلوكها وتوجهه فإذا ما استوردت مسخت شخصية المستورد متنكرا لأصالته وأصبح تابعا ذليلا لمن استورد منه، فالغزو الفكري إذا هو جهد كبير يبذله الغازي لكسب معارك الحياة ممن يغزوه وإذلال قيادته وتحويل مسار حياته مع ضمان استمرار هذا التحول حتى يذوب المغزو الغازي، وتلك هي أقسى مراحل الغزو الفكري، وسلاح الغزو الفكري هو الفكرة والكلمة والرأي والحيلة والنظريات والشبهات والمنطق في الخلاف والعرض البارع وشدة الجدل ولدادة الخصومة، وتحريف الكلم عن مواضعه وغير ذلك مما يقوم مقام السيف والصاروخ في أيدي الجندي، والفارق بينهما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015