من هنا يتضح لنا أنه وإن كان تغيير الأمة تغييراً إيجابيا كما يحب ربنا ويرضى، يستلزم تربية أفرادها على معاني الإسلام، فإن نجاح هذه التربية مرهون بوجود أفراد متوهجين بدأوا بأنفسهم وساروا بها في طريق التغيير، وقطعوا فيه شوطا معتبرا حتى يستطيعوا-بعون الله- أن يأخذوا بأيدي الناس ويسيروا بهم في الطريق الذى يسيرون فيه.
تبقى نقطة أخيرة في هذه المسألة وهى أن البعض قد يفهم من هذا الكلام أن تربية الناس على معاني الإسلام من خلال المحاور الأربعة السابق ذكرها (المعرفية- الإيمانية- النفسية- الحركية) يستلزم تحققها بشكل كامل فيمن يريد ممارستها مع الآخرين.
لاشك أن الأفضل هو ذلك، ولكن لصعوبة تحققه فينا يبقى الحد الأدنى لممارسة التربية مع الآخرين، هو أن نربيهم على ماتحقق فينا بصورة مرضية، وكلما إستكملنا جديداً في أنفسنا قمنا بتربيتهم عليه، وبذلك يمكن أن يقوم بأمر تربية الأمة عدد كبير من الدعاة والعاملين للإسلام، وكل من يتوق إلى خدمة الدين ..
الفتى عليه أن يقوم بتربية الأطفال على ما تحقق فيه، وليس على ما عرفه فقط، والشاب يقوم بتربية الفتيان على ما تمثل فيه، والرجل يقوم بذلك مع الشباب، والنساء مع الفتيات والأطفال، وذلك في كل مكان يتيسر فيه المعايشة والتعاهد، ويأتي على رأس ذلك: المسجد فهو المحضن التربوي الأول الذي ينبغي أن يستفيد منه الجميع في إنجاح العملية التربوية بإذن الله.
لا يريداليهود -حتى الأن- تصديق حقيقة أن الله عز وجل استبدل بهم أمة الإسلام، وأنهم لم يعودوا أصحاب رسالة، لذلك فقد اشتدت عداوتهم وكيدهم للأمة الإسلامية على مدار تاريخها (9)، ودأبوا على إضعافها وتفتيتها.
وفي الوقت نفسه هم لا يريدون خيرا للبشرية ..
يريدون أن يكونوا هم فقط المفضلين عند الله عز وجل -على حد مزاعمهم الباطلة-، وأن يكون بقية البشر في مقام العبيد لهم (10).
لذلك فإن من أهم العقبات التى تواجه الأمة الإسلامية في أداء وظيفتها هى عقبة اليهود، ولعل حديث القرآن المكي عنهم وعن شرورهم والكبر المتأصل فيهم، وعدم حبهم الخير للبشر .. لعل هذا الحديث في وقت لم يكن بين المسلمين في مكة واليهود أى احتكاك أو تعامل مباشر، فقد كان أقرب اليهود إليهم يقطن في يثرب على مسافة حوالي 500 كيلو متر، ولكن لأن القرآن الكريم يربي المسلمين في هذا الوقت على كيفية حمل الرسالة والقيام بحقوقها وتبليغها وقيادة البشرية من خلالها، كان لابد من التذكيروالتنبية على أهم عقبة ستواجههم في مهمتهم المرتقبة، لذلك تجد سوراً مكية كثيرة تحدثت عن اليهود وتاريخهم ونفسياتهم ونظرتهم للآخرين كسور: الأعراف والأسراء وطه.
إن حقيقة المعركة الحتمية الآن مع اليهود هى معركة بين الرسالة الحقة والرسالة المزيفة .. بين القرآن والتلمود، ولابد أن ننظر إلى الأحداث التى تمر بنا من هذا المنطلق، وأن نوقن بأن من مصلحة البشرية جمعاء هي انتصار القرآن في هذه المعركة.