لا بديل عن المعية والصحبة والتربية -إن أردنا تغييراً حقيقياً- ومن ثم فإن على جميع الدعاة والعاملين للإسلام أن يكون ذلك هو هدفهم الأساسي وهم يتعاملون مع الناس.
عليهم أن يوحدوا جهودهم ولا يبعثروها في غير هذا المجال حتى تبدأ الأمة في اليقظة الحقيقية.
لابد وأن يكون عمل كل من يريد خدمة الإسلام، من التواجد بين الناس .. يأكل مما يأكلون منه، ويشرب مما يشربون، وليس ذلك فحسب، بل عليه أن يكون هدفه من تواجده بينهم هو التربية وإحداث أثر إيجابى دائم في ذواتهم من خلال المحاور الأربعة للتربية السابق ذكرها.
إن المطلوب من خلال التواجد بين الناس ليس فقط مساعدة الفقراء أو البحث عن عمل للعاطلين، أو مواساة المبتلين، أو عقد الندوات، أو ... ،فكل هذا مع أهميته إلا أنه لابد وأن يوضع في سياق المنظومة التربوية التي تهدف إلى التغيير الشامل والدائم في شخصية المسلم -كما أسلفنا- وألا يتم التعامل معها على أنها جزر منعزلة.
من هنا نقول بيقين: إن معركة الإصلاح والتغيير الحقيقي للأمة روحها التربية، ولابد أن يتم تطويع جميع الوسائل لخدمة هذا الأمر، فإن تركنا هذه المعركة فسنظل في أماكننا نراوح بين أقدامنا، ونشتكي من كثرة المحن والإبتلاءات التي تمر بالأمة، وسيعلو صراخنا ونحيبنا، وترتفع أيادينا بالدعاء والتضرع إلى الله كلما أصاب المسلمين جرح جديد، وسيعلو صوت الدعاة في الفضائيات وعلى المنابربأهمية العودة إلى الله، وتغيير ما بالنفس، ثم تهدأ العاصفة ويستقر الجرح في جسد الأمة ويتعود على وجوده الجميع، ثم يتكرر الأمر بعد ذلك مع جرح جديد وهكذا.
فإن قلت: ولكن هل من الضروري تربية الأمة جميعاً؟
ليس المطلوب أن يكون جميع الأفراد على مستوى عال ورفيع من الصلاح، فسيظل هناك السابق بالخيرات، والمقتصد، والظالم لنفسه، ولكن يبقى من الضروري توافر الحد الأدنى للصلاح في الأمة.
فالمطلوب هو إصلاح المجتمع بأن تشيع فيه روح الإسلام ومعانيه، وأن يغلب عليه مظاهر العفة والتراحم، والتعاون على البر والتقوى، ونكران الذات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد، واستشعار المسئولية تجاه الأمة والبشرية، وفي المقابل تختفي منه مظاهر السلبية والأنانية والإعجاب بالنفس، والتفسخ الأخلاقي والإباحية .. ، وهذا لن يتم إلا بجهد تربوي يبذله الدعاة والعاملون للإسلام مع الناس .. كلٌ يعمل في محيطه.
* * * *
لكي ينجح الدعاة والعاملون للإسلام وكل من يتوق لخدمة الإسلام .. لكي ينجحوا جميعا في تغيير الأمة، لابد من أن يبدأوا مع أنفسهم، فتتمثل فيهم معانى الإسلام التى يريدون أن يربوا الناس عليها.
إن الخطأ الشائع الذى يقع فيه بعض الدعاة هو مطالبة الناس بشيء لايفعلونه هم مع أنفسهم، فتفقد كلماتهم الروح والحرارة والتأثير في الآخرين.
إن نقطة البداية الصحيحة لتربية الأمة، تنطلق من وجود الفرد المسلم المتوهج الذى تتمثل فيه معاني الإسلام والحرقة على الدين، وبدون هذه البداية لا يمكن للعملية التربوية أن تنجح.
فعلى سبيل المثال: لو أردنا إشعال مجموعة من الفحم فإننا -في الغالب- نقوم بإحضار فحمة مشتعلة متوهجة ونضعها وسط مجموعة الفحم، ثم نقوم بتحريك الهواء عليها جميعا فينتقل الإشعاع والتوهج من الفحمة المتوجهة إلى بقية الفحم .. فإن كان توهج الفحمة -الأساسية- متوسطاً كان الأثر على بقية الفحم محدودا ضعيفا، وإن كان التوهج ضعيفا فمن المتوقع ألا نرى أثراً لتوهج في عموم الفحم، وقد تنطفىء الفحمة ذات التوهج الضعيف بمرور الوقت، فعلى قدر توهج الفحمة "الأساس" يكون الأثر على من حولها.