واعلم أخى أن اليقين بالله عز وجل وبأنه يحرك أحداث هذا الكون في اتجاه التمكين لهذا الدين ونشر نوره على العالمين، يجعلنا نستبشر من وجودهم وتجمعهم في فلسطين، فمع مرارة احتلال اليهود لفلسطين، وتهجير الكثير من أهلها .. ومع المذابح التى وقعت، والقدس التى احتلت، والمسجد الأقصى المحاصر والمهدد بالهدم، إلا أن ذلك كله يحمل في طياته بشرى عظيمة، وحقيقة أكيدة، بأن وعد الله حق، وأنه لا يخلف الميعاد، فلقد وعد سبحانه اليهود -في سورة الإسراء- بأنه سوف يجىء بهم مرة أخرى إلى الأرض المقدسة بعد شتاتهم في الأرض: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الأسراء:104].
نعم، هذا التجمع ليس في مصلحة المسلمين من الناحية الشكلية، لكنه -بالتأكيد- يحمل لهم وللبشرية خيراً عظيما .. فاليهود لم يتعظوا بما حدث لهم عبر العصور الماضية، واستمروا في الفساد والإفساد {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:64].
فكم من الجرائم تسببوا فيها، وكم من الحرائق أشعلوها بين مختلف الأجناس، فلقد استغلوا تشتتهم وتشرذمهم في تحريك الفتن على مستوى العالم، ولم ولن يهدأ لهم بال حتى يدمروا البشرية، ولعل قسوتهم البالغة في تعاملهم مع الأطفال والنساء والعجائز في فلسطين ما ينبؤنا عن حقيقتهم النفسية القاتمة المتكبرة التى يحملونها.
من هنا كان هذا التجمع للكثير منهم في فلسطين يعد بمثابة فرصة عظيمة للإجهاز عليهم وكسر شوكتهم، وهذا ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر، يا مسلم يا عبد الله: هذا يهودي خلفي فتعال فأقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" (11).
إن مجىء اليهود وتجمعهم في فلسطين فرصة عظيمة لتخليص البشرية من شرورهم، وذلك من خلال قتالهم مجتمعين تحت راية واحدة.
بلا شك أن هذا لن يتم في يوم وليلة، ولكنه سيأخذ وقته اللازم حتى تكتمل عناصر النصر عند المسلمين، وأهمها تغيير الأمة تغييراً حقيقياً وشيوع معاني الصلاح فيها.
إن المعركة بين القرآن والتلود هى الآن تمضي على سنن الله تعالى المحددة وعلى ما علم من مفاسد اليهود وأشياعهم من إضعاف للأمة وإغراقها في بحر الشهوات، وإبعاد القرآن الكريم عن منصة التوجيه، ولكن لن يستمر هذا طويلا، فبوادر اليقظة بدأت تدب في جنبات الأمة، وصمود إخواننا في فلسطين رجالاً ونساءً وأطفالاً خير دليل على ذلك، ولكن يظل الحمل الثقيل على عاتق الدعاة، والمصلحين، والعاملين للإسلام في أرجاء الأمة، وهو أن يقوموا على تربيتها وإصلاحها، ليكون ذلك من أهم عوامل التعجيل بالنصر، شريطة أن يبدأ هؤلاء بأنفسهم قبل عملهم مع الآخرين -كما أسلفنا- {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ (5)} [الروم]
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * * *