مراتب ما قبل اللجوء إلى العقاب البدني للأطفال

هناك مبدأ مهم جداً وهو أن العقاب لا يلجأ إليه إلا إذا فشلت أساليب الترهيب والترغيب، وينبغي أيضاً أن يلاحظ في موضوع العقاب أن الأطفال يتفاوتون، ليس كل الأطفال على قالب واحد، وإنما يتفاوتون، فمنهم من ترهبه الإشارة، ومجرد التلميح بالعقاب يكفي في زجره عن الشيء الخطأ، ومنهم ما لا يردعه إلا الجهر الصريح.

كذلك ينبغي غرس شعور الطفل بالثقة بالنفس والاعتزاز بالنفس والحفاظ على كرامته بقدر المستطاع، فالأصل هو عدم اللجوء إلى الضرب أو إلى العقاب إلا عند الضرورة كما سنبين إن شاء الله تعالى، فلا يجعل الإنسان أول شيء يفعله هو عقوبة الطفل وإهانته وإهدار كرامته، لا؛ لأنه إذا أهدرت كرامته فقد الثقة بنفسه.

يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ما معناه: (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم) وليس تعليق السوط شرطاً، بل لك أن تعلق عصاً أو أي شيء خاص بالضرب، فيعلق أمام الأطفال كنوع من الإرهاب مع الاعتدال، فهذا أسلوب تربوي حسن في تخويف الأطفال من الوقوع في الخطأ، فأنت تعلق العصا لكن لا تستعملها؛ لأن الأطفال مجرد أن يروا العصا أمامهم معلقة فهذا يردعهم عن الخطأ، لكن لو ضربت بها مرة فستهون عليه مسألة الضرب، فإذا عودته على الضرب زال خوفه منه.

ومع تعليق السوط يذكره بالله سبحانه وتعالى؛ لأن هذه العقوبة لا تستخدم إلا بنوع من التدرج وبضوابط مهمة جداً؛ كي لا تأتي بآثار سلبية، فالأصل أن الإنسان في البداية إذا وجد الطفل يخطئ كأن ينام عن صلاة الفجر أو يؤخر الصلاة أو يقصر في شيء معين أن يتجاهل خطأه في البداية، ولا يوجه توجيهاً مباشراً، لكن يشير إليه إشارة حسنة، كأن يأتي التوجيه في وسط كلام مع غيره، ويذكر الخطأ الذي ارتكبه دون إعلامه برؤيته.

والطفل يحتاج للترغيب والترهيب؛ لأنه ليس عنده المثل الكافي الذي يدفعه إلى أن يفعل أو لا يفعل، فيحتاج إلى هذه الأشياء حتى تدعم توجيهه، فإذا كان هناك خطأ وقع فيه وهو لا يدري متفهمه أن هذا خطأ، وتعطيه فرصة لمراجعة سلوكه وتصحيح خطئه، لكن لا يذكر الكلام على سبيل التعريض به، فتقول مثلاً: هناك واحد اليوم نام عن صلاة الفجر، فتذكر خطأه بطريقة غير مباشرة تماماً، والمهم أن يصل الكلام إليه بالطريقة غير المباشرة بدون مواجهة وبدون تصريح، فضلاً عن أن يكون هناك أي نوع من الإهانة، لكن إذا لفت نظره إلى الخطأ بطريقة مباشرة وبعنف وبشدة فقد يحصل أنه يتجرأ عليه، ويصر على ارتكاب هذا الخطأ.

إن الخطوة الأولى: أن يتجاهل الخطأ في البداية مع حسن الإشارة والتوضيح دون المواجهة والتصريح، وذلك بأن يعطيه الفرصة لمراجعة سلوكه وتصحيح خطئه.

الخطوة الثانية: إذا أصر على الخطأ أو واقعه وتكرر منه ففي هذه الحالة له أن يعاقبه سراً، لكن بعد الخطوة الأولى الماضية، وذلك بأن يصرح بالنصيحة له، ثم يشتمه ويوبخه، لكن ليس أمام أحد، بل سراً، ويصارحه ويقول له: أنت فعلت خطأ كذا أو ضيعت الصلاة أو نمت عن الصلاة، يعني: له أن يوبخه ويعبس في وجهه، وممكن أن يستعمل معه نوعاً من العقوبة البدنية الخفيفة، كأن يفرك أذنه بشدة؟ إن على المربي ألا يكثر من العقوبة البدنية؛ لأنها إذا كثرت لن تكون لها أي قيمة، كذلك لا يكرر التوبيخ؛ لأن التوبيخ إذا كرر يهتك حجاب الهيبة، فلن يهاب ولن يخاف؛ لأنه جرب كثرة التوبيخ مما يجعله يتعود على أن يهتك حجاب هيبة المربي، فيهون عليه أن يسمع التوبيخ والملامة وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام في قلبه؛ وبهذا تفقد هذه الطريقة فاعليتها.

كذلك الأم لها دور مهم جداً في تخويف الطفل بأبيه، على الأم أن تجعل الأب في صورته الواجبة، وأنه ولي البيت وهو الراعي وهو الذي سيعاقبك.

فالأم تخوف الابن بأبيه كأن تقول: لو أتى أبوك سأقول له: إنك لا تريد أن تقوم إلى الصلاة مثلاً، أو أنك تؤخر الصلاة.

فإذا استمر الطفل على الخطأ رغم التدرج في الخطوتين السابقتين، في هذه الحالة يحتاج الطفل إلى طريقة أشد في العقوبة: وهي عقابه ولومه جهراً أمام أسرته ورفاقه؛ لأننا هنا نستغل حرص الطفل دائماً على أن يبقى أمام إخوانه وأخواته أو أصدقائه محافظاً على مكانته، فنستغل هذا الشعور الذي هو خوفه على مكانته بين أقرانه في تعديل سلوكه، فإذا عنفته ووبخته أمام إخوانه حينئذ فلا بأس كما في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2] ففي هذا زجر لباقي الأولاد، بحيث لو أخل واحد منهم بالصلاة فإنه سيتعرض لهذا التوبيخ كما تعرض هذا الصبي.

إذاً: يعاقب ويواجه جهراً أمام الأسرة أو أمام رفاقه، لكن يشترط أن يكون التعنيف بدون شتم أو تحقير للذات؛ لأن هذا الكلام فيه تحطيم له، وثمرته مريرة جداً، حيث تجعله يشعر بالدونية وبعقدة النقص، لكن ينبغي أن يعاقب ويوبخ بالأساليب المنضبطة؛ حتى لا تفقده ثقته بنفسه.

أيضاً معاقبته أمام الأسرة أو أمام أصدقائه ينبغي ألا يكرر؛ حتى لا تفقد العقوبة قيمتها؛ لأنه إذا وبخ سيشعر بالتألم الذي هو الشعور بالذنب، ويشعر أن التوبيخ يحدث له نوع من الضيق، وليس هذا فحسب بل سيكره مصدر هذا التوبيخ، فيكره أبيه أو المعلم.

فالعقوبة الصارمة تؤدي إلى كراهية المعاقب، وبالتالي تزرع فيه الشعور بالنقص والخوف، والمرحلة الثالثة بعد تأنيب الضمير أو الشعور بالذنب وبعد التضايق وكراهية المعاقب؛ لن يبالي بعد ذلك بالتوبيخ ولا بالضرب؛ لأنه تعود على سماع الشتائم أو تعود على الضرب، فأصبح لا يؤثر فيه بعد ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015