العقوبات الحسية درجات، وأخف عقوبة يبدأ بها شد الأذن بطريقة خفيفة، كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: (بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئت أخذ بأذني وقال: يا غدر يا غدر) يعني: ظهر له أنه أكل منه في الطريق، والحديث رواه ابن السني.
الشاهد أن هذا فيه دليل على أن يفرك أذنه كعتاب خفيف على الخطأ، أما الضرب للتأديب فهو كالملح للطعام، فالملح إذا وضعته في الطعام بكمية كبيرة فسد الطعام، لكن لو وضعت ملحاً بكمية قليلة فإنه يصلح الطعام، فنفس الشيء الضرب، فالضرب لا يلجأ إليه إلا بعد استنفاد جميع وسائل التأديب السابقة، أما أنك تتجه مباشرة إلى العقاب البدني فهذا خطأ فادح.
لقد تكلم علماء المسلمين على موضوع الضرب وإباحة الضرب، وأحاطوه بشروط بالغة في الدقة؛ لأنه إذا لم تراع هذه الشروط خرج الضرب عن موضعه التربوي، فما هي شروط هذا الضرب؟ أولاً: ينبغي أن يعلم أنه ليس من أهداف الضرب تشويه الطفل، ولا الهدف منه إهانة كرامته، ولا التحقير من شأنه، وإنما هو وسيلة بناءة لا هدامة، هدفها الإصلاح وليس الإفساد، فمتى ما عادت هذه الوسيلة هدامة أو ترتب عليها فساد فقدت قيمتها ولا يلجأ إليها، فهذا أمر مهم.
فالضرب هو ضرورة تربوية يلجأ إليها عند الاضطرار بعد استنفاد كل الوسائل السابقة، والفشل في العلاج عن طريقها.
ثانياً: الضرب ضرورة تأديبية وليست انتقامية، وهذا خطأ شديد جداً نراه من بعض الآباء قساة القلوب، نرى الأب أو الأم يضرب للانتقام لا للتربية، وهذا انحراف عن نهج الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اضربوهم عليها لعشر)؛ لأن الضرب وسيلة لإصلاح الطفل، ووسيلة اضطرارية وليست وسيلة انتقامية، فلا يجوز أن يفرغ الأب أو الأم شحنة الغضب والانفعال والغيظ في صدره عن طريق الضرب؛ لأن هذا الأب الذي يضرب مثل هذا الضرب المبرح القاسي ليشفي غليله وغيظه لا يضربه بنية أنه يعالجه، بل يضربه بحثاً عن راحة نفسه، ففي هذه الحالة لا يجوز الضرب؛ لأن هذا ليس من العدل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استوصاه: (لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني قال: لا تغضب) فكرر عليه هذه النصيحة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.