إن على الأب أن يربط قلب ولده بالمسجد؛ وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) يعني: إذا خرج من المسجد فكأنه سمكة خرجت من الماء، فهو لا يستريح حتى يرجع إلى المسجد، فينبغي أن نجتهد أن نجعل قلب الطفل يحب المسجد، ولا يستطيع فراق المسجد، فيكون أحب مكان إليه.
إذاً: ينبغي على الأب أن يعود ابنه الصغير على صلاة الجماعة منذ الصغر؛ كي يتعلق قلبه بالمساجد؛ لأنه إذا تعلق قلبه بالمسجد فهذا خير عظيم جداً، وإذا جعل مراحل حياته في المسجد فإنه سيتعرف على العلماء، ويتعرف على الصالحين، فيمارس عملياً كثيراً جداً من الآداب الشرعية في الإصغاء إلى مجالس العلم، وبلا شك أن الطفل عنده الحب الشديد في أن يشارك الكبار في أفعالهم.
فإذاً: ينبغي أن نستثمر هذا الميل الموجود في الطفل، وهو حبه مشاركة الكبار في أفعالهم، ومن هذا المبدأ تصحبه إلى المسجد؛ كي يشارك الكبار في صلاة الجماعة، لكن قبل أن يأتي إلى المسجد نفهمه آداب المسجد إن كان يستوعب ذلك.
كذلك نهيئه قبل حضوره إلى المسجد؛ لأن الطفل إذا دخل المسجد رأى أموراً غريبة غير متعود عليها، كأن يرى أناساً مزدحمين وهو لم ير مثل هذا المنظر من قبل، فالطفل إما ينفجر بالبكاء وإما يكظم ويكتم نفسه، فإذا ما سلم أبوه واتجه إليه ينفجر بالبكاء والصراخ من شدة الوحدة التي عاناها، وهذا خطأ، بل ينبغي أن يحصل نوع من التمهيد لفترة كافية، كأن يصف له المسجد، ولو استطاع أن يريه صور المسجد من الداخل ومن الخارج، ويشرح له كل مكان متعلق بالمسجد؛ حتى يحصل له الإلف بهذا المكان قبل أن يتجه إليه.
أيضاً يكثر من ذكر المسجد أمامه، ويصفه بكل جميل، كأن يقول له مثلاً: هذه الحلوى اشتريتها لك من المحل القريب من المسجد، ويشتريها فعلاً من ذلك المكان ولا يكذب عليه، والسواك اشتريته من أمام المسجد وغير ذلك، وإذا مر به بجانب المسجد يقول: انظر إلى هذا المبنى الجميل، هذا هو المسجد، وهو بيت الله سبحانه وتعالى، وأنا سآخذك معي قريباً؛ كي تصلي فيه، فهذا كله تمهيد حتى يقبل على المسجد بشوق وتلهف.
أيضاً يهيئ جو المسجد قبل أن يصطحب هذا الطفل، وبعض الناس قد يقول: أتريد من الأب أن يتفق مع الإمام ويقول له: أنا سأصحب ابني إلى المسجد؟! أقول: لا تنظر إلى هؤلاء الأطفال على أنهم لعبة أو قطعة من اللحم والعظم والدم، لا، بل هم المستقبل الذي بإمكانك من الآن أن تصنع بهم مستقبل الأمة، بأن تجعل هؤلاء يخرجون من المساجد ويتعلقون بالمساجد؛ لأنهم في الحقيقة هم المستقبل لهذه الأمة، وهذا ليس كلام إنشاء ولا كلام جرائد، بل هو حقيقة، وقد ذكرت لكم في بداية الكلام أن كل ما تعانيه الأمة من الويلات هو ثمرة من ثمرات التربية المعقدة في الصغر أو التربية الخاطئة، انظر كيف يعذب المسلمون تحت ظل حكم هؤلاء الناس؛ وذلك لأنهم ربوا على الاستسلام، ورضعوا الخيانة والخداع والخديعة من صغرهم؛ فبسبب ذلك ذاقت الأمة هذا الويل.
إذاً: أقل حماية للمسلمين أن نجتهد ألا ينشأ أطفالنا مشوهين نفسياً ومشوهين عقدياً، فينبغي ألا تنظر إلى هذا الطفل على أنه شيء هين أو شيء حقير، لا، أعطه الحجم الذي يستحقه، فيتفق الأب مع الإمام ويتفق مع المؤذن ويتفق مع بعض المصلين من الجيران وأبنائهم أن ابني إذا حضر معي فاحتفلوا به ولاطفوه؛ حتى يحس بالأنس، لكن بعض القائمين على المساجد يكونون من كبار السن، ولا يعرفون خطورة هذه الأمور التربوية، فنرى بعضهم إذا حصل خطأ من طفل ينهره بشدة! كيف تجعل عقلك مثل عقل هذا الطفل وتحاسبه على أخطائه كأنه مثلك؟! إن الثمرة التي تحصلها الأمة ويحصلها هؤلاء الأطفال فيما بعد من تعريفهم على الصلاة وتحبيبهم إلى المسجد أعظم بكثير جداً من الإزعاج الذي يسببونه أثناء الصلاة، فإذا وقف الأولاد الصغار في الصف ولم يعرفوا كيف يصلون أو ضحكوا أو خرجوا من الصلاة فينبغي أن يعلموا بلين وبرفق وبلطف، فليس من العدل أن تحاكمه على أنه مثلك؛ لأنك عرفت الحياة وتعلمت وكبرت ونضجت، أما هذا الطفل فليس عنده تجربة ولا علم ولا شيء.
فما يحصل من الناس حين يتعاملون مع الأطفال كأنهم كبار هو من الظلم، ويستدلون ببعض الأحاديث الضعيفة في هذا الباب، ولها الأثر الخطير في تشويه نفسية الأطفال تجاه المسجد، ومنها حديث: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم) فهذا حديث لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو كذب عليه، ولا يمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول مثل هذا؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام (كان يخطب على المنبر فلما رأى ابنه الحسن يتعثر في ثوب أحمر نزل من على المنبر وقبله وضمه إليه، ثم قال: صدق الله: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28]).
ومرة صلى عليه الصلاة والسلام وارتحله ابنه الحسن أو الحسين وهو ساجد، فأطال الصلاة حتى ظنوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام حصل له شيء، فظل ساجداً إلى أن شبع الطفل من اللعب ونزل من على ظهره، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن سلم: (إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله) أي: كرهت أن أستعجل عليه وأقطع عليه اللعب، فهل هذا اشتغال بتوافه الأمور؟ كلا، بل هذا اشتغال بأعظم الأمور، وهي أن يحب هؤلاء الأطفال المسجد؛ لأنهم هم الذين سيشكلون المستقبل فيما بعد لهذه الأمة.
ومعلوم من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام مع ابن عباس وغيره من أبناء الصحابة أنهم كانوا يدخلون المسجد، ويصفون خلف الرجال إذا صح الحديث الوارد في ذلك.
إذاً: لا ينبغي أبداً أن نمنع الصبيان المساجد، وصحيح أنها تجنب الأطفال الذين لا يعقلون، فالشاهد من الكلام أنه ينبغي إحاطة هذا الحدث الحساس وهو مجيء الطفل إلى المسجد بكثير من الاعتناء أكثر من أن تتفق مع الإمام في أن يلاطف هذا الطفل، لأن الطفل لما يجد إمام المسجد يناقشه ويبتسم في وجهه أو يعطيه حلوى أو كتاباً مثلاً أو مصحفاً، ويجد المصلين يحتفلون به إذا دخل؛ لا شك أن هذا يجعله يحس بالأنس في هذا المكان، فيطمئن لهذا المسجد ورواده، بخلاف ما إذا طرد من الباب، بل بعض الأطفال يضرب ويطرد من المسجد.
ولا أقول: أين أنتم مما يفعل في الكنائس بالنسبة للأطفال وكيف يجتذبونهم إلى داخل الكنائس؟! بل أقول: أين أنتم من سيرة السلف الصالح؟! نحن مطالبون أن نرتفع إلى مستوى الإسلام؛ لأننا متخلفون عن الإسلام لا أقول: عن غيره من المناهج، فالاحتفاء والاهتمام بالطفل من شأنه أن يوقع في نفسه تعظيم أمر الصلاة، ويشعر في نفسه أن الصلاة شيء مهم جداً في حياته.
قال العلماء: لو كان الإمام معروفاً بإطالة الصلاة بطريقة تخالف السنة فينبه الإمام قبل أن يؤتى بالصبي بأن يخفف الصلاة.
كذلك على الأب إذا دخل ابنه الصغير المسجد أن يربطه بحلق تحفيظ القرآن وتجويده التي تعقد في المسجد، بالتعاون مع إمام المسجد.
إن على الأب أن يقوي صلة ولده بالمسجد وأهل المسجد، وأن يرفه عليه عن طريق ممارسة أنشطة نافعة ومسلية للأطفال ومتنوعة، فيها نوع من اللهو المباح وغير ذلك بين الأطفال، حتى تتسع وتترسخ علاقته، وتتكون رابطته بالمسجد وبأقرانه من الأطفال.
أيضاً: على الأب أن يذكر أمام الطفل الصغير صلاة الجمعة وأهمية صلاة الجمعة وآدابها وبعض أحكامها؛ لأن هذا اليوم يوم عيد للمسلمين، وضرورة احترامه وتوقيره، لكن لا يحمله ما لا يطيق من أمر صلاة الجمعة، وخاصة بين السابعة والعاشرة؛ لأن الطفل قد لا يستطيع أن يبقى مدة طويلة في الخطبة محافظاً على طهارته، قد ينقض وضوءه، وطول الخطبة قد يضجره، فلا يحمله ما لا يطيق من أمر صلاة الجمعة للأسباب التي ذكرنا.
روي (أن أبا هريرة رضي الله عنه دخل مرة المسجد يوم الجمعة فوجد غلاماً، فقال له: يا غلام! اذهب العب، فقال: إنما جئت إلى المسجد، قال: فتقعد حتى يخرج الإمام؟ قال: نعم.
فتركه).
إذاً: على الأب ألا يكلف الصبي الصغير بصلاة الجمعة دون سن العاشرة بل يرغبه فقط بالصلاة، فإن أقبل عليها وإلا تركه وشأنه حتى يبلغ العاشرة أو قبلها بقليل، ثم يبدأ معه بالإلزام.
أيضاً قال العلماء: إن الأب ينبغي له أن يتحرى اختيار الخطيب؛ لأن الخطيب بمسلكه وبخطبته عميق التأثير في أخلاق الأولاد، خاصة إذا كان هؤلاء الأولاد يفهمون الخطبة ويعقلونها، وإذا كان الأطفال يعقلون ويفهمون فينبغي أن يسألهم الأب بعد الخطبة عن موضوع الخطبة، وما الذي تتذكره من عناصرها، وما الفوائد التي تستخلصها من هذه الخطبة، وقبل أن يدخلوا إلى صلاة الجمعة يحثهم على الإنصات، ويقول لهم: إنني سوف أسألكم عن مضمون الخطبة بعد الصلاة؛ لأنه بهذا يستدعي تركيزهم وانتباههم أثناء الخطبة.
هذا -باختصار- بعض التوجيهات المتعلقة بتحبيب الأطفال في أمر الصلاة، وكما ذكرنا فإن الأطفال ينبغي أن ننظر إليهم على أنهم مستقبل الأمة الذي يتمثل في أبنائنا أفلاذ أكبادنا.
وكما ينبغي للأمة أن تعد لأعدائها ما استطاعت من قوة من الأسلحة للحرب فكذلك تعد الأطفال للمستقبل.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي: لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح وصناعة الأبطال علم قد دراه أولو الصلاح من لم يلقن أصله من أهله فقد النجاح لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح أي: الذي يخون ربه في الصلاة فسيخون أمته كلها إذا بعثته إلى الجهاد؛ كي يحميها ويذود عنها.
هذا فيما يتعلق بالترغيب للأطفال بالصلاة ومحافظتهم على الصلاة في ضوء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر).