كيد الشيطان وجنوده بمن يغيظهم من المؤمنين

يقول عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:91] فهدف الشيطان من الخمر والميسر أن يصد الناس عن ذكر الله وعن الصلاة، مع أن الصلاة داخلة في ذكر الله، لكنه خص بعد تعميم.

إذاً: كل ما يشغل عن الصلاة فإنما هو من تسويل الشيطان، وكم يغتاظ الشيطان إذا رأى العبد يسجد بين يدي الله فيحقد عليه، ويعلن له العداوة.

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة -يعني: آية فيها السجدة- فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي! أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار) رواه مسلم.

ولذلك يحذرنا تبارك وتعالى من الشيطان بقوله: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف:27] يعني: الشيطان يحسدكم ويريد أن يضلكم كما فعل بالأبوين.

ونحن في هذا الزمان نرى كم نجح الشيطان في أن يفي بعهده الذي عاهد الله عليه، فقد عاهد الله وحلف وقال: {قال فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82 - 83] فحلف بعزة الله ووفى للأسف الشديد، وآية ذلك ما نراه الآن من تضييع الصلاة في مجتمع المسلمين، إلا من رحم الله تبارك وتعالى، مع أن عز وجل قد أخذ علينا العهد كما في قوله عز وجل: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة:7] ومع ذلك نحن لا نسمع ولا نطيع، ويوجد فينا هذا التفريط المعروف في شأن الصلاة.

إذا نجا الإنسان من تسويل إبليس له أن يترك الصلاة رأساً، وهزمه الإنسان في هذه المعركة، واستطاع أن يراغمه وأن يغيظه بإقامة الصلاة، فهل ييئس الشيطان عند ذلك؟ لا ييئس، لابد أن يظفر منه بشيء، فماذا يفعل؟ يجتهد في إفساد الصلاة وتقليل أجرها، فإذا لم يستطع الشيطان أن يصرفه عن الصلاة كلها فإنه يحاول أن يفسد عليه الصلاة، أو يقلل ثوابه الذي يحصله من الصلاة.

جاء أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: (إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليّ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له: خنزب -يعني شيطان متخصص في إفساد الصلاة- فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني) رواه مسلم.

فإذا دخل العبد في صلاته أجلب عليه الشيطان يوسوس له ويشغله عن طاعة الله، ويذكره بأمور الدنيا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط؛ حتى لا يسمع صوته) فهو يكره الصلاة، ويكره كل ما يرتبط بالصلاة، حتى إنه إذا سمع صوت الأذان هرب؛ لأنه لا يطيق أن يتحمل نداء التوحيد ودعوة الحق: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، فهو يكره هذه الكلمات، ويكره الأذان، فلذلك مجرد أن يشرع المؤذن في الأذان يهرب الشيطان.

إذاً: من عرض له الشيطان وأراد أن ينجو منه فليؤذن حتى في غير وقت الصلاة، وإذا كنت في مكان وأحسست أن شيطاناً يحاول أن يؤذيك فاجهر بالأذان، فإنه ينصرف عنك؛ لأنه يكره أن تأتيه بما يبغضه وبما ينفره، ولا يستطيع أن يبقى معك إذا أذنت.

قوله: (إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال) يعني: ذهب هارباً.

(وله ضراط؛ حتى لا يسمع صوته) يعني: يصدر ذلك الصوت الخبيث حتى لا يتمكن بسببه من سماع صوت دعوة الحق والأذان.

ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (فإذا سكت المؤذن رجع فوسوس) رجع ليوسوس في المصلين.

ثم يقول: (فإذا سمع الإقامة هرب) ولا يستطيع سماع الإقامة؛ لأنها تشتمل على نفس النداء الشريف، وهذا الحديث رواه مسلم.

وفي رواية متفق عليها: (فإذا قضي التثويب -يعني: الإقامة- أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه -يعني: حتى يشغله عما هو فيه- يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يذكر من قبل، حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى) وهذا للأسف الشديد لا يكاد يسلم منه أحد، فصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم فيما يبلغنا عن الله تبارك وتعالى من الهدى والوحي.

ولذلك نجد بعض الناس إذا نسي من أمور الدنيا شيئاً ثم دخل في الصلاة تتوافد عليه الوساوس من كل اتجاه، ويظل يتذكر كل ما نسي، ولا تنتهي مشاكل الدنيا إلا إذا سلَّم! فهذا دليل صريح على أن الشيطان كان يشغلك، وهذه المشاغل لا تأتيك إلا ما بين تكبيرة الإحرام وبين السلام، فإذا سلمت ذهبت عنك، ومعنى هذا أن هناك مؤامرة من إبليس، فهو يريد أن يصدك عن التدبر في صلاتك والانتفاع بها.

فإذا عجز الشيطان بنفسه عن صد العبد عن الصلاة أجلب عليه بخيله ورجله، فتراه يستعين بجنوده، وسلطهم عليك، وسلط عليك حزبه وأهله بأنواع التسليط، وكلما جد المسلم في إقامة الصلاة جد الشيطان في إغراء السفهاء به، فمنهم من يقول له: يا سيدنا الشيخ! خذني على جناحك إلى آخر هذه العبارات التي فيها سخرية من المصلين، والتي تسمعونها من السفهاء.

إن هؤلاء رسل الشيطان فهو يستعين بهم؛ كي يفتنوك عن الصلاة، مثل هذه العبارات التي أراد بها السفهاء الاستهزاء والتحقير من شأن الصلاة.

واعلم أن هذا جندي من جنود إبليس، فبعد أن فشل هو بنفسه في أن يصدك عن الصلاة، يظاهر ويستعين بجنوده، ويسلط عليك أذى الخلق، فكلما جد العبد في إقامة الصلاة جد الشيطان في إغراء السفهاء به، فتارة يسخرون منه وتارة يهزءون كما قال عز وجل: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} [المائدة:58] أليس هذا هو شأن المنافقين منذ زمان الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن يشاء الله عز وجل؟ نعم هذا شأن المنافقين فتارة يسخرون منه، وتارة يهزءون به، وأخرى يتغامزون، {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015