من خصائص الصلاة أنها إغاظة للكافرين، ومراغمة لأعداء الدين، ولا شيء أحب إلى الله سبحانه وتعالى من مراغمة أوليائه لأعدائه وإغاظتهم إياهم، ومن أجل ذلك قال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء:100] يعني: يجد في الأرض مكاناً يهاجر إليه، ويستطيع أن يقيم فيه دينه، ويغيظ أعداء الله سواء الشيطان أو أولياء الشيطان.
وقال عز وجل في شأن المؤمنين: {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120] فقوله هنا: (ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار) داخل في قوله: (إلا كتب لهم به عمل صالح) فدل على أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يصدر من المؤمن الأعمال والمواقف التي تغيظ أعداء الدين، وتملأ قلوبهم غيظاً.
ووصف الله خليله محمداً صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله تعالى عليهم بأنهم كزرع أغاظ الكفار، حيث يقول سبحانه: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29].
فمغايظة الكفار غاية محبوبة للرب عز وجل مطلوبة له، فموافقته فيها من كمال العبودية.
كذلك شرع النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي إذا سها في صلاته أن يسجد سجدتين، وقال فيما رواه مسلم وغيره: (إن كانت صلاته تامة كانتا ترغيماً للشيطان) يعني: إن كان في صلاته نقص حصل نتيجة السهو فهاتان السجدتان تجبران هذا النقص، وإن لم يكن فيها نقص، وإنما احتاط، ففي هذه الحالة تكون السجدتان ترغيماً للشيطان، وإغاظة لإبليس، وسمى صلى الله عليه وسلم هاتين السجدتين: المرغمتين.
فمن تعبد الله بمراغمة عدوه فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته له ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة، ولذلك حمد التبختر بين الصفين؛ لأجل عبودية المراغمة والمغايظة للكفار، مع أن هناك نصوصاً كثيرة تحرم التبختر والخيلاء، لكن استثنيت حالات معينة أبيح فيها التبختر والخيلاء بين الصفين، فإن كان جيش المسلمين يقف في مواجهة جيش الكافرين فيجوز للفارس المسلم أن يتبختر على فرسه، ويظهر العزة والكبرياء لأجل إغاظة الكفار.
وكذلك أجاز بعض العلماء صبغ الشعر بالسواد في حالة الحرب، فأجازوا للشيوخ الذين اشتعلت رءوسهم شيباً أن يصبغوا بالسواد؛ حتى إذا ما رآهم المشركون حسبوهم جميعاً شباباً فيهم قوة وبأس، وبالتالي يخافونهم ويرهبونهم.
إذاًَ: من أجل إقامة عبودية المراغمة لأعداء الله حُمِدَ التبختر بين الصفين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذه مشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن).
كذلك إذا كان الإنسان يتصدق في السر فيجوز له أن يختال ويتبختر على الشيطان؛ لأن في ذلك إرغاماً لعدو الله، وبذل محبوبه من نفسه وماله لله عز وجل، وهذا الباب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، يقول ابن القيم في مدارج السالكين رحمه الله تعالى: ومن ذاق طعمه ولذته بكى على أيامه الأول.
فالمقيم الصلاة إذا علم أن الشيطان تغيظه الصلاة لراغمه ولزاد في إغاظته بالمحافظة عليها وإقامة حدودها، فأحدثت له هذه المراغمة عبوديةً أخرى، ولذلك نجد أن الشيطان حريص أشد الحرص على أن يصد الناس عن الصلاة، وكيف لا تغيظه الصلاة وكيف لا ترغم أنفه الصلاة وهي تعصم من يقيمها من الشرك، ومن عبادة الشيطان من دون الرحمن؟!! عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم) رواه مسلم.
يعني: أن المسلمين في جزيرة العرب معصومون من أن يقعوا في الشرك، ولم يذكر المسلمين بصفة عامة، لكن قال: (المصلون) وقوله: (إن الشيطان قد أيس) أي: لم يبق عنده أمل في إغوائهم؛ لشدة تمسكهم بالتوحيد.
قوله: (قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم) أي: لكن سيفلح في التحريش بينهم وإثارة الضغينة والأحقاد بينهم.
الشاهد قوله: (المصلون) فهي إشارة إلى أن الصلاة عصمة من الشرك.
إذاً: الصلاة إغاظة للشيطان، ولذلك الشيطان يحرص جداً على أن يصد الناس عن الصلاة؛ لأن الصلاة تغيظه جداً، فإذا أقمت الصلاة وحافظت عليها فهذا يغيظ عدو الله، ومن أشرف أنواع العبودية إغاظة أعداء الله تبارك وتعالى.