فوجه قولهم: إن الجرح لا يقبل إلا مفسرا هو في من اختلف في توثيقه وتجريحه كما شرحناه ويؤيده قول ابن عبد البر:
من صحت عدالته وثبتت في العلم إمامته وبانت همته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي الجارح في جرحه ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل بما فيها من المشاهدة لذلك بما يوجب قبوله.
وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح: من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع.
فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلق وعبارة طلقة حتى إنه أخذ يلين مثل الأعمش، وَأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية فهذا إذا عارضه مثله، أو أكبر منه فوثق رجلا ضعفه: قبل التوثيق.
ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ فإنه من غلاة الشيعة بل نسب إلى الرفض فيتأنى في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد.
ويلحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب فكثيرا ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين لهذا، وَغيره فكل هذا ينبغي أن يتأنى فيه ويتأمل وما أحسن ما قال الإمام أبو الفتح القشيري: أعراض الناس حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان: الحكام والمحدثون. هذا، أو معناه.