مسلم لا شك أنه يتصرف تصرفاً بارعاً في تقديم وتأخير بعض الأسانيد والمتون، ومن أدلة ذلك الأثر الذي ذكره بين أحاديث المواقيت مما لا علاقة له بالمواقيت، لما ذكر هذه الأسانيد التي برع رواتها في سياقها، وأبدع في ترتيبها قال: وقال يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم، لا يستطاع العلم براحة الجسم".
هل يستطيع أحد أن يبرع في أي عمل يتوجه إليه وهو مرتاح؟ يستطيع؟ ما يستطيع، أي عمل من الأعمال، سواءً كان في الدنيا أو في الآخرة، لا بد من التعب، لا يستطاع العلم براحة الجسم، وطلاب العلم وهم على فرشهم وعلى اصطلاح بعض المشايخ يقول، أيش يقول كلمة .. ؟ يعني في الملاحق هذه حق البيوت، جالسين يسولفون يبون يحصلون العلم، بها الآلات والإنترنت والأشرطة، ومع ذلكم من لا يعتني بالعلم لا يعان ولا على سماع الأشرطة، ما يعان، الشاهد .. ، الشاهد حاصل، الذي يريد أن يرتاح ويسمع وهو في فراشه أو في الملحق جالس يسولف مع زملائه فإنه في الغالب لا يعان ولا على السماع، وهذا كما قال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم، لا بد من التعب.
فإذا تقرر هذا فصحيح البخاري أصح، وعناية الأمة به أكثر، شرح الشروح التي لا حصر لها ولا يزال يشرح إلى الآن، وقد يقول طالب العلم: مئات الشروح، كيف أختار؟ البخاري له مئات الشروح، كيف أختار؟ إذا تركته يختار احتار؟
نقول: من بين هذه الشروح شروح معروفة بني بعضها على بعض، يعني نتجاوز شرح الخطابي وشرح ابن بطال والشروح الأخرى حتى نصل إلى شرح الكرماني، شرح لطيف ونفيس وفيه فوائد، وفيه طرائف تحبب طالب العلم في القراءة، وفيه أوهام، فيه أوهام لم يترك من أجلها، ولذا تجدون كل الشراح يقولون: قال الكرماني، قال الكرماني، أحد ينسب، وأحد ما ينسب بعد، قد ينقل عنه بلا نسبة، وله الفضل في ذلك، ثم عاد يا الله إذا أخطأ، وهم تصدوا للرد عليه، كما يقولون العامة: شعير مأكول مذموم، رحمة الله عليه.
لكن يبقى أن الكتاب نفيس ولطيف وفيه هذه الأوهام، ومن يعرو من الأوهام -من يخلو- ويكفيه أن كل من جاء بعده اعتمد عليه.