المغاربة -ومنهم ابن حزم- فضلوا صحيح مسلم؛ لأنه ليس فيه بعد الخطبة إلا حديث السرد، الحديث سرد، ما فيه ولا تراجم، ما في باب كذا، كتاب كذا، ولا فيه آثار إلا القليل النادر، فالبخاري مملوء بالتراجم والآثار من أقوال الصحابة والتابعين، وفيه المعلقات، فيه ألف وثلاثمائة وأربعين حديث معلَّق، يعني حذفت أسانيدها أو بعض أسانيدها، بينما صحيح مسلم ليس فيه آثار إلا القليل النادر، وليس فيه تراجم، والمعلقات التي فيه عدتها أربعة عشر حديثاً كلها موصولة في صحيح مسلم، إلا واحد موصول في البخاري، إذن لسنا بحاجة إلى بحث معلقات مسلم، يعني وجود هذه المعلقات في صحيح مسلم مؤثر وإلا غير مؤثر؟ غير مؤثر؛ لأنها كلها موصولة في الصحيح نفسه سوى واحد موصول في البخاري.
البخاري عنده ألف وثلاثمائة وأربعين حديث معلق، بمعنى أنها حذفت أوائل أسانيدها، وكلها موصولة في الصحيح سوى مائة وستين أو مائة وتسعة وخمسين هذه هي محل البحث، وهي على قسمين؛ لأن منها ما صدر بصيغة الجزم، ومنها ما صدر بصيغة التمريض، فما صدر بصيغة الجزم مضمون ومصحح إلى من علق عنه؛ لأن البخاري ضمن من حذف، ما دام جزم بنسبته إلى راو من رواته فإنه قد ضمن من حذف، ويبقى النظر فيمن أبرز من رجال الإسناد.
ما صدر بصيغة التمريض منه ما هو صحيح على شرطه، ومنه ما هو صحيح على شرط غيره، ومنه ما هو ضعيف، لكن الضعيف الذي ضعفه شديد ينبه عليه الإمام البخاري، يروى عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه"، ولم يصح، ينبه عليه الإمام -رحمة الله عليه- فحينئذ نقول: صحيح البخاري أصح، وهو أكثر فائدة؛ لأن الفقه في تراجم البخاري، والإمام البخاري في الاستنباط من أفقه الناس وأدقهم وأغزرهم، مسلم ما فيه تراجم، يجمع لك الأحاديث، نعم له طريقة في الاختيار، وله طريقة في السياق، له طريقة في ترتيب الأسانيد والمتون، بارع في هذا الباب، لكن ليس له فقه، فقهه في طريقة -في صناعة- السياق، سياق المتون والأسانيد، هنا يكمن فقه مسلم، ومن هنا رجح
تشاجر قوم في البخاري ومسلم ... لديَّ وقالوا: أي ذين تقدم
قلت: لقد فاق البخاري صحة ... وفاق في حسن الصناعة مسلم