الصفة الرابعة: أن يعمل العالم بما علم، ألم نقل: أن يتعلم العلم النافع الذي ينبني عليه عمل؟ فالمشكلة أنك تتعلم العلم النافع الذي ينبني عليه عمل ثم لا تعمل به، ويعمل به الناس، فالعالم إذا أعطى درساً عن صلاة الفجر، وأتى بالأدلة على أهمية الصلاة في جماعة في المسجد، وعلى الوعيد الشديد في حق من تخلف عنها، ثم يتخلف هو عن أدائها فأي علم هذا، هذا العلم حجة عليه لا له، وقس على هذا كل أنواع العلوم.
جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وأيضاً رواه أحمد وابن ماجه عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، وهو حديث لطيف جداً، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقسم فيه الناس إلى أربعة أنواع حسب علمهم وأموالهم؛ هناك أناس أنعم الله عز وجل عليهم بالعلم والمال، وهناك أناس حرمهم الله عز وجل من العلم والمال، وهناك أناس أعطاهم الله العلم ومنعهم المال، وهناك أناس أعطاهم المال ومنعهم العلم، فقسم الناس إلى أربعة أصناف حسب العلم والمال، فتعالوا بنا إلى سياق هذا الحديث، والروعة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنرى أين نحن يا ترى في هذه الأصناف، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً)، عنده علم يضبط حركة المال، فيتحكم في هذا المال تحكماً شرعياً، يأتي به من الوجه الذي أحل الله عز وجل، وينفقه في الوجه الذي أحل الله عز وجل، ولا يخالف به أولويات المسلم في حياته، فالعلم يضبط له هذه الأمور ويضبط له حياته كلها؛ لأنه من الممكن أن تعيش (24) ساعة تعمل في تحصيل المال الحلال، لكن قد تفوتك صلوات، وتفوتك صلة أرحام بر والدين، وتفوتك دعوة إلى الله، ويفوتك تحصيل علم، ويفوتك كذا وكذا من أمور الخير، نعم أصل التجارة حلال، لكن ضاعت أولويات مهمة جداً في حياتك، إننا نرى أناساً كثيرين على هذه الشاكلة، بل من الممكن أن نكون نحن المتهاونين بهذا الأمر، فقد نسهر ست عشرة ساعة أو سبع عشرة ساعة ونتغافل عن أعمال هامة عظيمة في حياتنا، ليس لها مردود مادي، وهذا شيء خطير، فالعلم يضبط هذه الناحية، يجعل الإنسان يعمل العمل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب.
فأول واحد: (عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يزرقه مالاً، فهو صادق النية)، انتبهوا إلى قضية الإخلاص التي تكلمنا عنها سابقاً، قال: (فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته فأجرهما سواء) لقد أفرحنا هذا الحديث جداً؛ لأننا نرى أغنياء ما شاء الله لا قوة إلا بالله من الناس الأتقياء، والله عز وجل أعطاهم، فيعمل الواحد منهم أعمالاً خيرية كثيرة جداً، يقيم مستشفيات ومؤسسات تعليمية، وينفق على الفقراء والمساكين، ويجاهد في سبيل الله بماله يفعل أموراً كثيرة تتمنى أن يكون عندك مال فتفعل مثل ما يفعل؛ إن كنت صادقاً في نيتك فأنت وهو في الأجر سواء بنص الحديث، يعني: نكون في هذه الدرجة وإن لم تملك المال، وقد يكون الذي معه مال في فتنة حُفظ منها الذي منع من المال.
فنرضى بما قسم الله لنا ونصلح نياتنا، في غاية الأهمية أمر الإخلاص.
إذاً: الأول معه مال وعلم، والثاني معه علم وليس معه مال، المشكلة في الثالث والرابع، الثالث: (وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً)، فهذه فتنة كبيرة، معه أموال، لكن ليس لديه علم يضبط حركة هذا المال: (فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل) نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء.
ليس كل الأغنياء الموجودين نطمع أن نكون مثلهم، بل إن غالب الأغنياء يفتنون، وقد ورد في البخاري ومسلم حوار بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين أبي ذر عندما ذكر له في آخر الحديث، قال: (إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة)، يعني: أن الأكثرين في الأموال هم الأقلون في الحسنات يوم القيامة؛ لأن من تكاثر ماله غالباً يفتن بماله، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن قال هذه الكلمة استثنى الطائفة التي تتقي الله عز وجل في مالها، فقال: (إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا، وأشار عن يمينه وشماله ووراء ظهره، ثم قال: وقليل ما هم)، يعني: قليل جداً الذي يؤتى المال فيثبت، نسأل الله الثبات جميعاً، هذه فتنة خطيرة.
فهذا الرجل أو هذا الصنف الثالث الذي آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فأضاع نفسه بهذا المال، فهو بأخبث المنازل، وما أكثرهم.
الصنف الرابع: (وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً)، واعلم أن المال رزق كفله الله عز وجل لك قبل أن تولد، لكن العلم تطلبه وتأتي به، لو تريد علماً سيعطيك الله، ليس مثل المال، أناس كثيرون يريدون مالاً فلا يعطيهم الله س