الصفة الثالثة: أن تتعلم علماً نافعاً، أن يكون علمك هذا له مردود عليك وعلى الناس في دنياك، ويوصلك في الآخرة إلى النجاة، والرسول عليه الصلاة والسلام كان كلما ذكر العلم وحث عليه أضاف له كلمة (النافع)، كما روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة -وفي رواية ثلاث-: صدقة جارية، أو علم) اشترط فيه شرطاً، فما هو هذا الشرط؟ (أو علم ينتفع به)، فأي علم نظري هذا ولا ينتفع به لا يقدم ولا يؤخر فوجوده كعدمه، وهو علم لا تؤجر عليه، بل أحياناً يكون هذا العلم وبالاً على الإنسان، (أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، وأيضاً كما جاء في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) يستعيذ صلى الله عليه وسلم من شر عظيم، فما هو هذا الشر العظيم؟ العلم الذي لا ينفع: (من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها).
قسم العلماء العلوم من هذه الوجهة إلى ثلاثة أنواع: علوم نافعة نفعاً محضاً، يعني: هو العلم الذي تستطيع أن تطبقه وتفيد به نفسك أولاً ثم الناس.
وهناك علم ضار، عندما تعرف هذا العلم يصيبك ضرر؛ بسبب معرفتك له، فهذا العلم لا داعي له البتة.
وهناك علم ثالث وهذا يشغل الكثير الكثير، ولا هو نافع ولا هو ضار، يعني: هذا علم ليس له معنى، علمه أو لم يعلمه فأمور الدنيا تمشي كما هي دون الحاجة إلى مثل هذا العلم، قد لا يكتسب سيئات، لكن لا يأخذ عليه حسنات.
إذاً: ما هو تصنيف هذا العلم في الشرع؟ يضع الإمام الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين هذا العلم مع العلم الضار، وإن كان ليس بحرام شرعاً، لكن يضيع عمرك، أليس العمر رأس مالك؟ عندما أنفق ساعتين أو ثلاثاً فيما لا ينبني عليه عمل وفي أمر لا ينتفع به ذهبت علي هاتان الساعتان أو الثلاث، وقد أضيع يومين أو سنتين أو ثلاث سنين، وقد تمر قرون على البشرية في علوم لا تنفع ولا تضر، فهذه علوم أضاعت عمر الإنسان، وعمر الإنسان هو أثمن ما يمتلك، هو الشيء الذي لا يعود أبداً: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100]، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا حريصين جداً على قضية العلم النافع، ويعلمون كيف يكون العلم نافعاً، وهذه رسالة لكل طلبة العلم، ولكل من أراد أن يكون عالماً؛ لأننا نضيع أوقاتاً كثيرة في قضايا لا ينبني عليها عمل، ولا نأبه لها، ونحن الآن نسمع هذا الكلام ونظن أننا نتكلم على أناس آخرين يضيعون حياتهم في أشياء ليست لها معنى، لكننا كثيراً جداً ما ننشغل بهذا الأمر ونظنه أمراً هاماً جداً من أمور الدين.
على سبيل المثال قضية الدجال: الرسول عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة جداً وصف الدجال بصفات هي في غاية الغرابة والعجب، عندما تسمع بها تنبهر وتندهش وتريد أن تعرف أكثر وأكثر عن صفة هذا الذي يخرج، وكيف أنه مكتوب على جبهته كلمة كافر؟! وكيف تكون جنته ناراً وناره جنه؟! يعني: أمور عجيبة جداً، وكيف يفتن الناس في هذا الأمر؟! كل هذه الصفات سمعها الصحابة وسكتوا، لكن عندما ذكر صلى الله عليه وسلم صفة معينة عن الدجال حيث قال: (يبقى فيكم أربعين له يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع)، فهو سوف يمكث فينا أربعين يوماً، لكن هناك يوم من الأيام طوله مثل طول سنة، يعني: تطلع الشمس إلى أن تصل إلى الزوال فتكون قد مضت ستة أشهر، وحين تصل إلى الغروب تكون قد مرت سنة كاملة، وهذا الشيء موجود في القطب الشمالي الآن، يعني: ليست أشياء مستغربة، وليس ذلك على الله بعزيز، لكن ربنا يثبت لنا الآيات في الكون وفي أنفسنا: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53]، فيظل اليوم الذي يكون فيه الدجال موجوداً اثني عشر شهراً، ويوماً كشهر، ويوماً كأسبوع، وبقية الأيام كسائر أيامنا، فهنا وقف الصحابة وسألوا سؤالاً: (هذا اليوم يا رسول الله الذي بسنة أنصلي له صلاة يوم؟)، إذاً: القضية قضية العلم النافع، أريد أن أعرف معلومة حتى أعمل بها، يعني: الصحابة رضي الله عنهم لم يسألوا عن صفة جنته أو ناره أو كذا؛ لأنه لا ينبني عليها عمل، لكن عندما تكون هناك قضية شرعية فقهية أتحرك بها عندما يأتي الدجال وأنا على قيد الحياة أسأل، وجزى الله خيراً الصحابة فهم سألوا هذه الأسئلة فتعلمنا نحن منها، هم لم يعاصروا