الرحمة

الصفة الخامسة من صفات العلماء: أن العلم لابد أن يرتبط برحمة، هناك علماء تكون عندهم غلظة وشدة تنفر الناس، والناس تكره أن تأخذ العلم ولو كان علماً نافعاً صالحاً من هذا الغليظ، بعض الأحيان يكون علماً شرعياً، فهذا خطير جداً، وهذا موجود، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام خطب خطبة في الناس، عندما أطال بعض الصحابة في الناس، وقال: (يا أيها الناس! إن منكم منفرين)، فهو عالم وتقي وقارئ وورع، لكنه أطال في الصلاة حباً في الصلاة، وهو لا يعتبر من المنافقين، بل من الصحابة الأجلاء، ومع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! إن منكم منفرين)، فهناك أناس لا يهمهم حال الناس الذين حولهم، أين الرحمة يا إخوان؟! هذه قصة رائعة دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، وكان حديث عهد بالإسلام، وهو أعرابي أتى من الصحراء، ودخل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فصلى معه، وهو حديث عهد بإسلام أسلم منذ أيام، ولا يعرف من الإسلام إلا قليلاً، فوقف في صلاة الجماعة، ويبدو أنه أول مرة في حياته يصلي جماعة، والحديث الذي فيه القصة رواه الإمام مسلم والنسائي وأبو داود وأحمد وغيرهم، قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم)، يعني: كان بجانبه رجل فعطس هذا الرجل، فأحب أن يؤدي الواجب نحوه ويشمته، (فقال له: يرحمك الله) في أثناء الصلاة، وهو لا يعرف أن الكلام في الصلاة لا يصح، (فقال: يرحمك الله، قال: فرماني القوم بأبصارهم)، يعني: نظر الصحابة إلى هذا الذي يتكلم في الصلاة، من الذي يقول: يرحمك الله في الصلاة، هذا لا يعرف شيئاً من شئون الصلاة، نظر إليه الناس بغير إرادتهم، (قال: فقلت -وهو في الصلاة أيضاً-: واثكل أمياه! ما شأنكم؟ لماذا تنظرون إلي؟)، يقول هذا الكلام كله وهو في الصلاة؛ بسبب جهله بهذا الحكم فعل ما فعل، (فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم)؛ لأنهم لا يستطيعون أن يكلموه، فلو أن شخصاً قال: اسكت بطلت صلاته كذلك، فهم يضربون على أفخاذهم، قال: (فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت)، يعني: كنت أريد أن أتكلم وأكمل وأشرح لهم وجهة نظري، وأنه من حقي كمسلم أن أقف بجانب أخي المسلم فإذا عطس شمته، ولم أقل شيئاً خطأً، وإنما قلت له: يرحمك الله، وكان بإمكاني أن أتكلم ساعتين، لكنني قلت: أسكت، مادمتم تسكتونني.

(قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه صلى الله عليه وسلم)، يعني: كان الرسول عليه الصلاة والسلام يسمع مثل ما سمع الصحابة، سمع قول هذا الأعرابي: يرحمك الله، واثكل أمياه، مالكم تنظرون إلي، النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع كل هذا الكلام، فما إن انتهى من الصلاة، يقول معاوية بن الحكم رضي الله عنه: (فوالله ما كهرني -يعني: ما لامني- ولا ضربني ولا شتمني، وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)، فهو صلى الله عليه وسلم أعطاه الدرس بمنتهى الهدوء ومنتهى الرحمة، فبعض الناس عندهم أخطاء شرعية أو أخطاء في العلوم الحياتية، فهم يحتاجون إلى رحمة في التعليم، فإذا كان العالم فظاً غليظاً ينفر التلميذ أو ينفر طالب العلم من العلم، فقد ينفر منه أبداً، وتصبح فتنة ويكون السبب فيها المعلم الغليظ، سواء كان هذا المعلم في مدرسة أو في جامعة أو كان في الشارع ماشياً.

إذاً: أي داعية من الدعاة أو عالم من العلماء يعلم الناس بأمر فيه غلظة قد ينفر الناس، فهذه الرحمة من صفات علماء المسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015