ما هو دورنا بعد هذه الرحلة في هذه المجالات المختلفة من العلوم؟ خلاصة هذه القصة أننا لا نقرأ هذا التاريخ لكي نتأثر فقط بما فعله السابقون، ونسعد ونفرح بما قدمه أجدادنا لمسيرة الإنسانية، لكن في المقام الأول قرأنا عليكم هذه الصفحات من التاريخ الإسلامي لنعلم أن العلم أساس من أسس بناء الأمة الإسلامية لا بديل عنه، وهذه الأمة الإسلامية إنما سادت العالم بهذا التفوق في شتى مجالات العلوم، ولم نبرع في مجال معين كما يبرع الأمم الآن وتبرع أمة أخرى في مجال آخر، بل كنا سابقين في كل مجالات العلوم قاطبة، وبهذا سدنا العالم.
إذاً: نحن نقرأ التاريخ لنستفيد منه العبرة، ولا نقرأ لكي نقول: إن أجدادنا كانوا عظماء فحسب، وإذا أردت أن تسود كما سادوا وتقود كما قادوا فلا بد من العودة إلى الأساس المتين، التي بنيت عليه هذه الحضارة، وهو العلم بشقيه: العلم الشرعي، والعلم الحياتي.
ثم علينا بعد أن سمعنا إلى هذه المحاضرة أن ندرس التاريخ الإسلامي دراسة صحيحة؛ لأن معلوماتنا عن التاريخ الإسلامي قليلة، ومعلوماتنا عنه مشوشة ومزورة ومشوهة، ولعل معظم الحضور وهم من أهل العلم لا يعرف حوالي (5%) أو (10%) من المعلومات التي ذُكرت في هذه المحاضرة، مع أنها من أشهر المعلومات؛ لأني لم أخض في تفصيلات دقيقة في داخل كل فرع، وارجعوا إلى الكتب الكتب الإسلامية التي تتحدث عن هذا التاريخ، وهي موجودة، وستجد مصنفات ضخمة في حضارة المسلمين في علم الجغرافيا، ومصنفات ضخمة في حضارة المسلمين في علم الطب وفي علم الهندسة وفي علم كذا وكذا، ستجد كثير جداً، لكن علينا أن نبحث في التاريخ، ثم علينا زرع العزة في نفوسنا ونفوس أبنائنا، فعندما يعرف ابنك أن جده هو الذي اخترع كذا وكذا يفخر بسلفنا، ويفخر بديننا، ويفخر بحضارتنا، ويعلم أننا حضارة بناء لا هدم، وأننا حضارة سبق لا اتباع هكذا كانت حضارة المسلمين، وهكذا ينبغي أن تكون.
ثم علينا أن نعرف غيرنا بتاريخنا كما نعرفه بديننا، وكما نطلب من إخواننا الذين يعرفون عموم الناس في الأرض بديننا أن يعرفوا عموم الناس بتاريخنا، فالناس الذين يقرءون عن تاريخنا يجدون في تاريخنا الدماء والأشلاء والمؤامرات والمكائد والفتن، هذا ما يظنه الكثير، فإذا كان المسلمون أنفسهم يعتقدون أن تاريخ المسلمين ما هو إلا هذه الصورة المجحفة جداً لتاريخ المسلمين فالمطلوب مني أن أعرف وأنشر هذا الكلام بكل لغات الأرض، أنا بلغتي أحاول أن أوصل المعلومة لشخص يستطيع أن يترجمها إلى اللغات الموجودة في العالم، حتى يعلم العالم أجمع أن الحضارة الإسلامية على أكتافها بنيت شتى حضارات العالم المعاصر الآن، وأن العالم بدون الحضارة الإسلامية سيظل متخلفاً شديد التخلف، ويكون بينه وبين العلوم فجوات هائلة، وراجعوا قيام الحضارة الأوروبية وقيام الحضارة الحديثة في كل العلوم، وانظروا أي علم عندهم قام على أسس غير إسلامية؟ نادر ما تجد هذا، فإنه لا يخلو فرع من فروع العلم من إضافة محورية من إضافات المسلمين.
هذه دعوة للجميع لفتح الملفات القديمة لحضارة الإسلام، ولقراءة هذه الملفات ودراستها دراسة قوية متأنية، ولتدريسها وتعليمها لأبنائنا وأبناء الأمة الإسلامية، ثم لنقلها بعد ذلك إلى عموم أهل الأرض.
ونختم بكلمة ربعي بن عامر رضي الله عنه وأرضاه: لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.