وأنتِ بعد هذا الخضوع والانحناء له وبعد القيام بين يديه تنظرين إلى الأرض وبصرك مرتكز على موضع سجودك لا تلتفتين يمينًا ولا شمالاً ثم تخرين بعد ذلك على الأرض مكبرة لله - سبحانه وتعالى - معلنة الاستسلام لهذا النوع من الخضوع فهو أشد من الأولين.
ثم تمكنين مجمع محاسنك ومحل احترامك من الأرض لرب العالمين طاعة واستجابة لأمره، وذلاً وخضوعًا بين يديه فأنت تعلمين أن نعمه عظيمة، وأن آلاءه جسيمة فلا تملكين لها شكرًا، وتجدين نفسك الأمارة بالسوء تقابل ذلك بالمعاصي، ولا تجدين ما تقتربين به إلى الله وما تعتذرين به إليه إلا بالسجود بين يديه فيكون خرورك إلى الأرض وتمكينك لأعضائك أثناء السجود تمكين الخائف من ربه، الراغب فيما عنده المبتغي رضاه، الطامع في رحمته وعفوه، فلا شيء أقرب إلى الله من السجود، ولا موضع لإجابة الدعاء أقرب من السجود، ولا عمل يغفر الذنوب ويزيد الحسنات ويرفع الدرجات مثل السجود، فقد قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19] .
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء [فيه] " (?) .
وإذا علمت أن للسجود علامة عليكِ يوم القيامة يبقى أثره حتى لو دخلتِ النار لازداد حرصك على السجود وأقبلتِ عليه راغبة ممتنة لمن تسجدين له قال -صلى الله عليه وسلم-: " ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة، قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال: "أرأيت لو دخلت صبرة فيها خيل دهم بهم وفيها فرس أغر أحجل أما كنت تعرفه منها؟ " قالوا: بلى، قال: " فإن أمتي يومئذ غرٌّ من السجود محجلين من الوضوء " (?) .