وحَدَبَ عليه عَمُّه أبو طالب، ومنعه، وقام دونه، واشتدت العداوةُ، وتذامرت قريش على تعذيب من أسلم، وافتتانه، ومنع الله رسوله بعمه أبي طالب، وبني هاشم، غير أبي لهب، وبني المطلب؛ واجتمعت قريش، وطلبت من أبي طالب أن يسلم لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: حين تروح الإِبل، فإن حنت ناقة على غير فصيلها، دفعته لكم، وقال:
واللهِ لَنْ يَصِلوا إليكَ بجَمعهمْ ... حَتى أُوَسَّدَ في التُّراب دَفينَا
فاصْدَعْ بأَمرِكَ ما عليكَ غَضاضةً ... وابشرْ وَقَرَّ بذاكَ مِنْكَ عُيونا
ودَعَوْتني وزَعَمْتَ أَنك ناصحي ... ولَقد صَدَقْتَ وكُنْتَ ثَمَّ أمينا
وعَرَضْتَ دينًا لا مَحَالَة أنَّه ... مِنْ خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دِينا
وحاصرت قريش النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهل بيته بني هاشم، ومعهم بنو المطلب في الشعب بعد المبعث لست سنين، فمكثوا في ذلك الحصار ثلاث سنين، وخرجوا منه في أول سنة خمسين من عام الفيل. وتوفي أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام، وقيل: بسبعة، وقيل: بشهر وخمسة أيام، وتوفي أبو طالب، وهو ابن بضع وثمانين سنة، وتوفيت خديجة وهي بنت خمس وستين سنة؛ فكان مكثُها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وعشرين سنة. وتوالت على النبي - صلى الله عليه وسلم - مصيبتان بوفاة عمه، ووفاة خديجة. وقد استوفينا في كتاب الاستسقاء ما قيل في أبي طالب، حيث جاء ذكره هناك وكان أبو طالب قد أسلم ولده عليًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن قريشًا أصابتهم أزمةٌ شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال النبي، عليه الصلاة والسلام، لِعمه العباس، وكان من أيسر بني هاشم: يا عباس، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا، فلنخفف عنه من عياله، فقال: نَعَمْ، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب وقالا له: إنا نُريد أن نخفف من عيالك حتَّى يكشِفَ الله عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلًا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًا، وضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا وضمه إليه، ولم يزل علي