بالطاهرة. وقد استوفينا ترجمتها، وتزويجه بها في كتاب بدء الوحي من هذا الكتاب، ثم شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمه في موضع الحجر بعد ذلك بعشر سنين، وذلك سنة ثلاث وثلاثين، وقال محمَّد بن جبير: بنيت الكعبة على رأس خمس وعشرين من عام الفيل، وقيل: بل كان بين بنيان الكعبة، ومبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس سنين.
ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة، وقيل: وأربعين يومًا، وقيل: وعشرة أيام، وقيل: وشهرين، يوم الاثنين، لسبع عشرة، خلت من رمضان، وقيل: لسبع، وقيل: لأربع وعشرين ليلة. وقال ابن عبد البر: يوم الاثنين، لثمان من ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين من الفيل. وقيل: في أول ربيع، بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، ورسولًا إلى كافة الناس أجمعين، وقولُ بعض العلماء تنبأه الله تعالى، وهو ابن أربعين، المراد به بعثه وإرساله للناس، لا أصل النبوة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان نبيًا وآدم منجدلٌ في طينته، وولد نبيًا، وقد حررنا ذلك في أول "الفتوحات الربانية".
ولما أوحى الله إليه، عليه الصلاة والسلام، أسرَّ أمره ثلاث سنين أو نحوها. ثم أمره عَزَّ وَجَلَّ بإظهار دينه، والدعاء إليه، فأظهره بعد ثلاث سنين من مبعثه. وأخرج ابن عبد البر، وأحمد بن حنبل عن الشعبي قال: أُنزلت عليه النبوة، وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل، عليه السلام، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين، قرن بنبوته - صلى الله عليه وسلم -، جبريل، عليه الصلاة والسلام، فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة.
ولما دعا قومه إلى دين الله تعالى لم يبعدوا منه، ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم، وعابها، وكان ذلك في سنة أربع، فأجمعوا على خلافه، وعداوته إلا من عصمه الله تعالى منهم بالإِسلام.