وقوله: "ولكن جهاد ونية" المعنى: أن وجوب الهجرة من مكة انقطع بفتحها، إذ صارت دار إسلام، ولكن بقي وجوب الجهاد على حاله عند الاحتياج إليه، وفسره بقوله: "فإذا استنفرتم فانفروا" أي دعيتم إلى الغزو فأجيبوا. قال الطيبي: قوله: "ولكن جهاد" عطف على مدخول: "لا هجرة" أي: الهجرة إما فرارًا من الكفار، وإما إلى الجهاد، وإما إلى نحو طلب العلم، وقد انقطعت الأولى فاغتنموا الأخيرتين، والكلام على الهجرة قد مرَّ مستوفى في آخر حديث: "إنما الأعمال بالنيات" أول حديث.
وقوله: "فإن هذا بلد حرام" الفاء جواب شرط محذوف تقديره: إذا علمتم ذلك فاعلموا أن هذا بلد حرام، وكان وجه المناسبة أنه لما كان نصب القتال عليه حرامًا كان التنفيذ يقع منه لا إليه، ولما روى مسلم هذا الحديث عن إسحاق، عن جرير، فصل الكلام الأول من الثاني بقوله: "وقال يوم الفتح: إن الله حرم" إلخ فجعله حديثًا آخر مستقلًا وهو متقضى صنيع من اقتصر على الكلام الأول، كعلي بن المديني، عن جرير، كما يأتي في الجهاد.
وقوله: "هو حرام بحرمة الله" أي بتحريمه، وقيل: الحرمة الحق أي حرام بالحق المانع من تحليله، وقد مرَّ الكلام على هذا مستوفىً عند حديث أبي شريح في كتاب العلم، ومرت مباحث هذا الحديث مستوفاة عند حديث أبي هريرة في باب كتابة العلم من كتاب العلم.
قد مرّوا: مرَّ عثمان ابن أبي شيبة، وجرير ومنصور في الثاني عشر من العلم، ومرَّ مجاهد في أول الإيمان قبل الحديث الأول منه، ومرَّ طاوس في باب من لم ير الوضوء إلاَّ من المخرجين بعد الأربعين من الوضوء، ومرَّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي.
أخرجه البخاري في الحج، وفي الجزية، والجهاد، ومسلم في الحج والجهاد، وأبو داود فيهما أيضًا، والترمذي في السير، والنسائي في السير والبيعة، والحج.
ثم قال المصنف: