هكذا ترجم بلفظ القتال، وهو الواقع في حديث الباب، ووقع عند مسلم في رواية كذلك، وفي أخرى بلفظ القتل بدل القتال، وللعلماء في كل منهما اختلاف، مرَّ الكلام عليه مستوفى عند حديث أبي شريح في كتاب العلم.
ثم قال:
وقال أبو شريح رضي الله تعالى عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يسفك بها دماء".
وجه الاستدلال به لتحريم القتال من جهة أن القتال يفضي إلى القتل، فقد ورد تحريم سفك الدماء بها، بلفظ النكرة في سياق النفي فيعم، وهذا التعليق مضى موصولًا في الذي قبل هذا بحديث، ومرَّ فيه محل أبي شريح.
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: "لاَ هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا". قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ؟ قَالَ: قَالَ: "إِلاَّ الإِذْخِرَ".
قوله: "عن مجاهد، عن طاوس" كذا رواه منصور موصولًا، وخالفه الأعمش فرواه عن مجاهد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا، أخرجه سعيد بن منصور، عن أبي معاوية عنه، وأخرجه أيضًا عن داود بن شابور، عن مجاهد مرسلًا، ومنصور ثقة حافظ فالحكم لوصله.
وقوله: "يوم افتتح مكة" هو ظرف للقول المذكور.
وقوله: "لا هجرة" أي: بعد فتح مكة، وأفصح بذلك في رواية علي بن المديني في الجهاد.