المقصود من الإتيان بشيء يسير من السيرة النبوية، وإن كان علماء أهل التآليف فيها، تكفلوا بها، وأتوا في تآليفهم فيها بما لا يقبل الزيادة، وكادت سيرته - صلى الله عليه وسلم - تحصر.
وها أنا أذكر منها نبذة مختصرة، تبركًا بالإتيان بها في أول الكتاب، ولأن بعض العلماء قال: إن ذاته - صلى الله عليه وسلم - الشريفة هي موضوع علم الحديث رواية من حيث إنه نبي، وموضوع الفن لا بد من معرفته وتعريفه، وإن كان هو - صلى الله عليه وسلم - معروفًا عند جميع المسلمين، ولكن أذكر ما أَذْكُرُهُ تيمنًا بسيرة أسعد الخلق - صلى الله عليه وسلم - ثم بعد ما أذكر منها أذكر شيئًا من تعريف البخاري، صاحب هذا التأليف المقصود كشف خباياه، فأقول:
اعلم أن أول ما خلق الله من شيء على ما أخرجه عبد الرزاق بسنده عن جابر، رضي الله تعالى عنه نور النبي - صلى الله عليه وسلم -من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوحٌ، ولا قلمٌ، ولا جنةٌ، ولا نارٌ، ولا سماءٌ، ولا أرضٌ، ولا شيءٌ من الأشياء؛ فلما أراد الله أن يخلقَ الخَلْقَ، قسم ذلك النور أربعة أجزاء .. إلخ الحديث الطويل، وقد نقلناه مُسْتَوْفى في كتابنا "الفتوحات الربانية" في الرسالة العاشرة.
ثم لما خلق الله آدم، جعل ذلك النور المحمدي في جبينه، وصار من ذلك الوقت كلما حملت زوجة بولد يكون جَدًّا له، عليه الصلاة والسلام، ينتقل ذلك النور إلى جبينها، وإذا وُلِدَ ذلك المولودُ انتقل إلى جبينه إلى أن ولد - صلى الله عليه وسلم - ولأجل هذا أخرج أبو نُعَيْم، والخَرائِطِيُّ وابن عساكر، عن ابن عباس، قال:
لما خَرَجَ عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوجه، مَرَّ به على كاهنة من قبالة؛ قد قرأت الكتب، يقال لها: فاطمة بنت مر الخَثْعَمِيّة، فرأت نور النبوة في وجه عبد الله؛ فقالت له: لك مثل الِإبل التي نحرت عنك، وقع