علي الآن، لما رأت في وجهه من نور النبوة، ورجت أن تحمل بهذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ثم خرج به حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زُهْرة، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا، فزوجه ابنته آمنة، وهي يومئذٍ أفضل امرأة في قريش نسبًا، وموضِعًا، فزعموا أنه دخل عليها حين مَلَكَها مكانه، فوقع عليها يوم الاثنين في شعب أبي طالب، عند الجَمْرة، فحملت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خرج من عندها، فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عَرَضَتْ، فقال لها: ما لك لا تَعْرِضين علي اليوم ما عرضت علي بالأمس؟ فقالت: فارقك النور الذي كان معك بالأمس، فليس لي بك اليوم حاجة، إنما أردت أن يكون النور فيّ، فأبى الله إلا أن يجعله حيث شاء. وفي رواية عن ابن عباس: أن المرأة من بني أسد بن عبد العُزّى، واسمها قَتِيلة أو رَفيقة بنت نَوْفَل، وفي هذه الرواية أنه أجابها بقوله:
أَمّا الحَرَامُ فَالمَمَاتُ دُونَهُ ... وَالحِلُّ لا حِلٌّ فَأَسْتَبِينُهُ
فَكَيْفَ بِالأَمْرِ الذي تَبْغِينَهُ ... يحْمِي الكَرِيمُ عِرْضَهُ ودِينَهُ
ولأجل هذا النور، سجد رئيس فِيَلَةِ أَبْرهة -الذي كان لا يسجُدُ لأبرهة- لعبد المطلب لما نظر في وجهه. وفي النُّطْقِ المفهوم أنه قال له: السلام على النور الذي في ظهرك يا عبد المطلب.
وقد اتفق أهل العلم بالأنساب والأخبار، وسائر العلماء بالأمصار، على رفع نسبه إلى عدنان، واختلفوا اختلافًا كثيرًا، فيما بين عدنان وإسماعيل، وفيما بين إبراهيم ونوح، عليهما الصلاة والسلام. وقد جمع في "فتح الباري" أكثر من عشرة أقوال. ولأجل الاضطراب الشديد والخلاف أعْرَضتُ عن سياق النسب بين عدنان وإسماعيل. وقد روي في "مسند الفردوس" أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انتسب لم يجاوز مَعدِّ ابن عدنان ثم يمسك، ويقول: "كذب النسابون" مرتين أو ثلاثًا، لكن قال السُّهَيْلِيُّ: الأصحُّ في هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود. وقال غيره: كان ابن مسعود إذا قرأ قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ