جهنم" والجرجرة صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج، نحو صوت اللجام في فك الفرس.
وفي حديث حذيفة في كتاب الأشربة: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تلبسوا الحرير والديباج، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" زاد مسلم في حديث البراء "فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة" ومثله في حديث أبي هُريرة، رفعه "من شرب في آنية الذهب والفضة في الدنيا، لم يشرب فيهما في الآخرة، وآنية أهل الجنة الذهب والفضة" أخرجه النسائي بسند قويّ، ففي هذه الأحاديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب الفضة على كل مكلف، رجلًا كان أو امرأة، ولا يلتحق ذلك بالحلي للنساء؛ لأنه ليس من التزين الذي أبيح لهنّ في شيء.
قال القرطبيّ وغيره: في الحديث استعمال أوانيّ الذهب والفضة في الأكل والشرب، ويلحق بهما ما في معناهما، مثل التطيب والتكحل، وسائر وجوه الاستعمالات. وبهذا قال الجمهور، ونقل ابن المنذر الإِجماع على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة، إلا عن معاوية بن قُرَّة، أحد التابعين، فكأنه لم يبلغه النهي. وعن الشافعي في القديم، ونقل عن نصه في حرملة، أن النهي فيه للتنزيه؛ لأنّ علته ما فيه من التشبه بالأعاجم. ونصَّ في الجديد على التحريم، ومن أصحاب من قطع به عنه، وهذا اللائق به، لثبوت الوعيد عليه بالنار كما مرَّ. وإذا ثبت ما نقل عنه، فلعله كان قبل أن يبلغه الحديث المذكور.
ويؤيد وهم النقل عن نصه أيضًا في حرملة أن صاحب التقريب، نقل في كتاب الزكاة عن نصه في حرملة، تحريم اتخاذ الإناء من الذهب والفضة، وإذا حرم الاتخاذ فتحريم الاستعمال أولى، والعلة المشار إليها ليس متفقًا عليها، كما يأتي قريبًا. وأغربت طائفة شذت فأباحت ذلك مطلقًا، ومنهم من قصر التحريم على الأكل والشرب، ومنهم من قصره عل الشرب؛ لأنه لم يقف على الزيادة المذكورة في الأكل.
واختلف في علة المنع، فقيل: إن ذلك يرجع إلى عينهما، ويؤيده قوله "هي لهم" "وإنها لهم"، وقيل: لكونهما الأثمان وقيم المتلفات، فلو أبيح استعمالهما لجاز اتخاذ الآلات منهما، فيفضي إلى قلتهما بأيدي الناس فيجحف بهم، ومثله الغزاليّ بالحكام الذين وظيفتهم التصرف لإظهار العدل بين الناس، فلو منعوا التصرف لأخل ذلك بالعدل، فكذا في اتخاذ الأواني من النقدين، حبسٌ لهما عن التصرف الذي ينتفع به الناس، يرد على هذا جواز الحلي للنساء من النقدين، ويمكن الانفصال عنه، وهذه العلة هي الراجحة عند الشافعية، وبه صرح أبو عليّ السبخيّ وأبو محمد الجويني. وقيل: علة التحريم السَّرَف والخُيَلَاء، أو كسر قلوب الفقراء، ويرد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة، وغالبها أنفس، وأكثر قيمة من الذهب والفضة، ولم يمنعها إلا من شذ.