يعرف أنه مزكوم، فيُدعى له بالشفاء، قال: وتقديره أن العموم يقتضي التكرار إلا في موضع العلة، وهو الزكام، وعند هذا يسقط الأمر بالتشميت عند العلم بالزكام، لأنّ التعليل به يقتضي أن لا يشمت من علم أن به زكامًا أصلًا. وتعقبه بأن المذكور هو العلةُ دون التعليل، وليس المعلل هو مطلق الترك، ليعم الحكم عليه بعموم علته، بل المعلل هو الترك بعد التكرير، فكأنه قيل: لا يلزم تكرر التشميت؛ لأنه مزكوم. قال: ويتأيد بمناسبة المشقة الناشئة عن التكرار.

الرابع ممن يخص من عموم العاطسين: مَن يكره التشميت. قال ابن دقيق العيد: ذهب بعض أهل العلم إلى أن من عرف من حاله أنه يكره التشميت أنه لا يشمت إجلالًا للتشميت أن يؤهَّلَ له من يكرهه. فإن قيل: كيف تترك السنة لذلك؟ قلنا: هي سنة لمن أحبها، فأما من كرهها ورغب عنها فلا. قال: ويَطَّرد ذلك في السلام والعبادة.

قال ابن دقيق العيد: والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا من خاف منه ضررًا، فأما غيره فيشمت امتثالًا للأمر، ومناقضة للمتكبر في مراده، وكسرًا لسَوْرته في ذلك، وهو أولى من إجلال التشميت، ويؤيده أنَّ لفظ التشميت دعاء بالرحمة، فهو يناسب المسلم كائنًا من كان.

الخامس: قال ابن دقيق: يستثنى أيضًا من عطس والإمام يخطب، فإنه يتعارض الأمر بتشميت من سمع العاطس والأمر بالإنصات لمن سمع الخطيب، والراجح الإنصاف لإمكان تدارُك التشميت بعد فراغ الخطيب، ولاسيما إن قيل بتحريم الكلام والإمام يخطب. وعلى هذا، فهل يتعين تأخير التشميت حتى يفرغ الخطيب، أو يشرع له التشميت بالإشارة؟ فلو كان العاطس الخطيب فحمد، واستمر في خطبته، فالحكم كذلك. وإن حمد فوقف قليلًا ليشمت، فلا يمتنع أن يشرع تشميته. قلت: مذهب المالكية إنه يشمته بالإشارة، لا بالنطق لا سرًا ولا جهرًا. وظاهر كلام بعضهم تحريمه.

السادس: ممن يمكن أن يستثنى: مَن كان عند عطاسه في حالة يمتنع عليه فيها ذكر الله، كما إذا كان على الخلاء أو في الجماع، فيؤخر، ثم يحمد الله، فيشمت، فلو خالف فحمد في تلك الحالة، هل يستحقط التشميت؟ فيه نظر.

وقوله في الحديث: نهانا عن سبع، سقط في هذا الباب واحدة من السبع المنهي عنها، ولعلها سقطت من الناسخ، وقد ذكرها في باب خواتيم الذهب من كتاب اللباس، وهي المِبْثَرَةُ الحمراء. وقوله: ونهانا عن آنية الفضة، متناول للنهي عن الأكل فيها والشرب. وقد جاء التصريح بهما فيما أخرجه أحمد عن ابن أبي ليلى بلفظ "نهى إنْ يُشرب في آنية الذهب والفضة وأن يوكل فيهما". أخرج مسلم أيضًا عن نافع "الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة إنما يُجَرْجِر في بطنه نار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015