الخلق إليه لا إلى الطبائع.
ومن آداب العاطس أن يخفض بالعطاس صوته، فلا يبالغ في إخراج العطسة، فقد أخرج عبد الرزاق عن قتادة قال: "سبع من الشيطان" فذكر منها شدة العطاس، ويرفعه بالحمد، وأن يغطي وجهه لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسَه، ولا يلوي عنقه يمينًا ولا شمالًا لئلا يتضرر بذلك.
قال ابن العربيّ: الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجًا للأعضاء، وفي تغطية الوجه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه، ولوى عنقه صيانة لميسه لم يأمن من الالتواء، وقد شوهد من وقع له ذلك.
وقد أخرج أبو داود والترمذيّ بسند جيد عن أبي هُريرة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عطس وضع يده على فيه، وخفض صوته، وله شاهد بنحوه عند الطبرانيّ عن ابن عمر. قال ابن دقيق العِيد: ومن فوائد التشميت تحصيل المودة والتآلف بين المسلمين، وتأديب العاطس بكسر النَّفْس عن الكِبْر، والحمل على التواضع، لما في ذكر الرحمة من الإِشعار بالذنب الذي لا يَعْرى عنه أكثر المكلفين.
والعطاس يكون من خفة البدن، وانفتاح المسام، وعدم الغاية في الشبع، فلذا ناسبه الحمد. واستدل بأمر العاطس بحمد الله، أنه يشرع حتى للمصلي، وقد تقدمت الإِشارة إلى حديث رفاعة بن رافع، وبذلك قال الجمهور من الصحابة، والأئمة من بعدهم، وبه قال مالك والشافعيّ وأحمد.
قلت: مشهور مذهب مالك أن حَمْد العاطس في الفرض مكروه، أو خلاف الأوْلى، ونقل الترمذيّ عن بعض التابعين أن ذلك شرع في النافلة لا في الفريضة، ويحمد مع ذلك في نفسه، قال في الفتح: وجوز شيخنا في شرح الترمذيّ، أن يكون مراده أنه يُسِر به، ولا يجهر به، وهو متعقب بحديث رفاعة بن رافع "فإنه جهر به"، ولم ينكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-. نعم، يَفْرُق بين أن يكون في قراءة الفاتحة أو غيرها، من أجل اشتراط الموالاة في قراءتها، وجزم ابن العربيّ من المالكية بأن العاطس في الصلاة يحمد في نفسه، ونُقِل عن سَحْنون أنه لا يحمد حتى يفرغ، وتعقبه بأنه غُلُو.
قلت: قد مرَّ لك قريبًا أن المعتمد عدم حمده مطلقًا، واستدل بقوله في حديث أبي هُريرة السابق "حق على كل مسلم سمعه أن يشمته" على استحباب مبادرة العاطس بالتحميد. ونقل ابن دقيق العيد عن بعض العلماء، أنه ينبغي أن يتأنى في حقه حتى يسكن، ولا يعاجله بالتشميت. قال: وهذا فيه غفلة عن شرط التشميت، وهو توقفه على حمد العاطس.
وأخرج البخاريّ في الأدب المفرد عن مكحول الأزْدِيّ، كنت إلى جنب ابن عمر، فعطس