رجل من ناحيته، فقال ابن عمر: يرحمك الله إن كنت حمدت الله. وقد مرَّ في حديث أبي هُريرة أن العاطس إذا حمد الله يقول له أخوه "يرحمك الله" وهذا هو التشميت المطلوب شرعًا. قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون دعاء بالرحمة، ويحتمل أن يكون إخبارًا على طريق البشارة، كما قال في الحديث الآخر "طهور إن شاء الله" أي: هي طهر لك، فكأن المشمت بَشَّرَ العاطس بحصول الرحمة له في المستقبل، بسبب حصولها في الحال، لكونها دفعت ما يضره. وهذا ينبني على قاعدة، وهي أن اللفظ إذا أريد به معناه، لم ينصرف لغيره، وإن أريد به معنى يحتمله انصرف إليه، وإن أُطلق انصرف إلى الغالب، وإن لم يستحضر القائل المعنى الغالب.
قال ابن بطال: ذهب إلى هذا قوم فقالوا: يقول له يرحمك الله، يخصه بالدعاء وحده. وقد أخرج البيهقيّ في الشعب، وصححه ابن حبان، عن حفْص بن عاصم عن أبي هُريرة، رفعه "لما خلق الله آدم، عطس، فألهمه ربه أن قال الحمد لله فقال له ربه: يرحمك الله". وأخرج الطبريّ عن ابن مسعود قال يقول يرحمنا الله وإياكم. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر نحوه، وأخرج المصنف في "الأدب المفرد"، بسند صحيح، عن أبي مرة سمعت ابن عباس إذا شَمَّتَ يقول: عافانا الله وإياكم من النار، يرحمكم الله، وفي "الموطَّأ" عن ابن عمر أنه كان إذا عطس، فقيل له يرحمك الله، قال: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر الله لنا ولكم.
قال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث أن السنة لا تتأدى إلا بالمخاطبة، وأما ما اعتاده كثير من الناس من قولهم للرئيس "يرحم الله سيدنا"، فخلاف السنة، وشمت بعض الفضلاء رئيسًا فقال: يرحمك الله يا سيدنا. وهو حسن. وقوله في الحديث، السابق: فإذا قال له يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم، مقتضاه أنه لا يشرع ذلك إلا لمن شُمِّت، وهو واضح. وأن هذا اللفظ هو جواب التشميت، وهذا مختَلَف فيه، قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى هذا، وذهب الكوفيون إلى أنه يقول: يغفر الله لنا ولكم. أخرجه الطبريّ عن ابن مسعود وابن عمر، وغيرهما، وأخرجه في "الأدب المفرد" الطبرانيّ عن ابن مسعود، ووافق حديثُ أبي هُريرة المذكور سابقًا، حديث عائشة عند أحمد وأبي يَعلى، وحديثَ عليّ وأبي مالك الأشعريّ عند الطبرانيّ، وحديثَ ابن عمر عند البزار، وحديثَ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عند البيهقي في "الشعب".
قال ابن بطال: ذهب مالك والشافعيّ إلى أنه يتخير بين اللفظين، إلا للذميّ. وذكر الطبريّ أن الذين منعوا من جواب التشميت بقول "يهديكم الله ويصلح بالكم" احتجوا بأنه تشميت اليهود، كما يأتي في حديث أبي داود عن أبي موسى، ولا حجة فيه، إذ لا تَضَادَّ بين خبر أبي موسى وخبر أبي هُريرة المذكور فيه "يهديكم الله ويصلح بالكم"؛ لأنّ حديث أبي هُريرة في جواب التشميت، وحديث أبي موسى في التشميت نفسه.