تبين من الجواب أن السؤال وقع عند عددها أو عن الفصل والوصل.
وفي رواية محمد بن نصر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رجلٌ يا رسولَ اللهِ كيف تأمرنا أن نصليَ من الليل".
وأما قول ابن بزيزة جوابه بقوله: "مثنى" يدل على أنه فهم من السائل طلب كيفية العدد لا مطلق الكيفية، ففيه نظر وأولى ما فسر الحديث من الحديث، واستدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعًا وهو قول أبي حنيفة وإسحاق وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في أربع وبأنه خرج جوابًا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال، وبأنه قد تبين من رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به ففي "السنن" وصححه ابن خزيمة وغيره عن علي الأزدي عن ابن عمر مرفوعًا "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى". وقد تعقب هذا الأخير بأن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة وهي قوله: "والنهار" بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه، وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها.
وقال يحيى بن معين: مَنْ علي الأزدي حتى أقبل منه؟ وادعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع "أن ابن عمر كان يتطوع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن"، ولو كان حديث الأزدي صحيحًا لما خالفه ابن عمر مع شدة اتباعه رواه عنه محمد بن نصر في سؤالاته.
لكن روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" موقوف أخرجه ابن عبد البر، فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع، فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذًا.
وقد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن "ابن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعًا أربعًا وهذا موافق لما قاله ابن معين.
وعند أبي حنيفة صلاة الليل والنهار أربعًا أربعًا. وعند صاحبيه: الليل مثنى مثنى والنهار أربعًا أربعًا. وقوله: "مثنى مثنى" أي: اثنين اثنين وهو غير منصرف لتكرار العدل فيه قاله صاحب "الكشاف". وقال الآخرون للعدل والوصف، وأما إعادة "مثنى" فللمبالغة في التأكيد، وقد فسره ابن عمر راوي الحديث فعند مسلم عن عقبة بن حريث قال: "قلت لابن عمرما معنى مثنى مثنى؟ قال تسلم من كل ركعتين".
وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى "مثنى" أن يتشهد بين كل ركعتين؛ لأن راوي الحديث أعلم بالمراد منه، وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم؛ لأنه لا يقال في الرباعية مثلًا إنها مثنى، واستدل بهذا على تعيين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل قال ابن دقيق العيد: وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر، وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله