اختلف فيه هل يتشاغل قبل التطوع بالذِّكر المأثور ثم يتطوع؟ وهذا الذي عليه عمل الأكثر، وقد مرّ الكلام عليه في حديث الذكر بعد الصلاة عند قوله خلف كل صلاة. وأما التي لا يتطوع فيتشاغل الإِمام ومَنْ معه بالذِّكر المأثور، ولا يتعين له مكان إن شاؤوا انصرفوا وذكروا، وإن شاؤوا مكثوا وذكروا، وعلى الثاني إن كان للإمام عادة أن يعلمهم أو يعظهم فيستحب أن يُقْبل عليهم بوجهه جميعًا، وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور فهل يُقبل عليهم جميعًا أو ينتقل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو؟ الثاني هو الذي جزم به أكثر الشافعية، ويحتمل أن قصر زمن ذلك أن يستمر مستقبلًا للقبلة من أجل أنها أليق بالدعاء، ويحمل الأول على ما لو طال الذِّكر والدعاء. وفي "المختصر" عن الشافعي أنه يستحب للإمام إذا لم يكن هناك نساء أن يقوم من مصلاه عقيب صلاته. وفي "الإحياء" للغزالي أن ذلك فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- وصححه ابن حِبّان في غير صحيحه.

وقال النووي وعللوا قول الشافعي بعلّتين: إحداهما: لئلا يشك من خلفه هل سلّم أم لا. الثانية: لئلا يدخل غريب فيظنه بعد في الصلاة. قلت: لكن العلّتان يكفي منهما أن يشرّق أو يغرّب بوجهه من غير انتقال كما هو المشهور عند جميع الأئمة، وقد مرّ تشهيره عن الشافعية. وقد قالت المالكية: يكره للإمام تنفله بمحرابه أي: موضع صلاته، وكذا جلوسه فيه على هيئته الأولى فيشرّق أو يغرّب والأفضل أن يجعل وجهه جهة المغرب، ويمينه جهة المصلين، ويساره جهة القبلة، وما عدا ذلك من الهيئات فهو خلاف الأفضل، ومحل هذا فيمن يصلي في غير الروضة الشريفة. أما المصلي بها فإنه يجعل وجهه قبالة القبر الشريف، ويساره جهة المصلّين، ويمينه جهة القبلة، ولا يفعل ما يراه بعض أهل التشديد من قيامه بمجرد فراغه كأنما ضرب بشيء يؤلمه، ويفوت بذلك استغفار الملائكة له ما دام في مصلاه الذي صلّى فيه. وفي "العيني" الأفضل أن يجعل يمينه إليهم ويساره إلى المحراب، وقيل عكسه ويه قال أبو حنيفة. وقال صاحب "التوضيح": ظاهر حديث البراء بن عازب "رمقتُ صلاةَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فوجدت قيامَهُ فركعتَهُ فاعتدالَهُ بعدَ ركوعِهِ فسجدَتَهُ فجلستَهُ بينَ السجدتين فسجدتَة فجلستَهُ ما بينَ التسليم والانصرافِ قريبًا مِنَ السواءِ" رواه مسلم أنه لم يكن يثب ساعة ما يسلم، بل كان يجلس بعد السلام جلسة قريبة من السجو. وفي "الذخيرة" أجمعوا على أنه إذا فرغ من صلاته لا يمكث في مكانه مستقبل القبلة وجميع الصلوات في ذلك سواء، فإن لم يكن بعدها تطوع إن شاء انحرف عن يمينه أو يساره، وإن شاء استقبل الناس بوجهه إذا لم يكن أمامه من يصلي.

وقال الشافعي في "الأُم": وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإِمام السلام قبل قيام الإِمام، لان أخر ذلك حتى ينصرف بعد الإِمام أو معه كان ذلك أحب إلي. والجمهور على أن الإِمام لا يتطوع في مكانه الذي صلّى فيه الفريضة، وكرهه ابن عمر للإمام ولم يرَ به بأسًا لغيره. وعن عبد الله بن عمرو مثله وعن القاسم أن الإِمام إذا سلّم فواسع أن يتنفل في مكانه. قال ابن بطال: ولم أجده لغيره من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015