وقال ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وغيرهم من الشافعية: يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك، وهو من الاختلاف المباح، وقوّاه النووي في شرح مسلم، وأبدى بعضهم أن حكمة الزيادة في الركوع والنقص كان بحسب سرعة الانجلاء وبطئه. فحين وقع الانجلاء في أول ركوع اقتصر على مثل النافلة. وحين أبطأ زاد ركوعًا، وحين زاد في الإبطاء زاد ثالثًا وهكذا إلى غاية ما ورد في ذلك وتعقبه النووي وغيره بأن إبطاء الانجلاء وعدمه لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى.
وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوي من أول الحال، وأجيب باحتمال أن يكون الاعتماد على الركعة الأولى، وأمّا الثانية فهي تبع لها. فمهما اتفق وقوعه في الأولى بسبب بطء الانجلاء، يقع مثله في الثانية ليساوي بينهما.
ومن ثم قال أصبغ من المالكية: إذا وقع الانجلاء في أثنائها يصلّي الثانية كالعادة، وعلى هذا يدخل المصلّي فيها على نية مطلق الصلاة، ويزيد في الركوع بحسب الكسوف، ولا مانع من ذلك، والقول الثاني عند المالكية أنه يتمّها على هيئتها.
وأجاب بعض الحنفية عن زيادة الركوع بحمله على رفع الرأس لرؤية الشمس هل انجلت أم لا؟ فإذا لم يرها انجلت رجع إلى ركوعه ففعل ذلك مرّة أو مرتين أو مرارًا، فظن بعض من رآه يفعل ذلك ركوعاً زائدًا وتعقّب بالأحاديث الصحيحة الصريحة في أنه أطال القيام بين الركوعين، ولو كان الرفع لرؤية الشمس فقط لم يحتج إلى تطويل، ولاسيّما الأخبار الصريحة بأنه ذكر ذلك الاعتدال ثم شرع في القراءة، فكل ذلك يرد هذا العمل ولو كان كما زعم هذا القائل لكان فيه إخراجٌ لفعل الرسول عن العبادة المشروعة أو لزم منه إثبات هيئة في الصلاة لا عهد لها، وهذا هو ما فسرّ منه.
وقد اختلف في الجهر فيها والإصرار أيهما أفضل؟ فقد وردت طرق كثيرة يعضد بعضها بعضًا، يفيد مجموعها الجزم بالجهر، وورد الجهر عن علي مرفوعاً وموقوفًا. أخرجه ابن خزيمة وغيره، وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة وغيرهما من محدثي الشافعية، وابن العربي من المالكية.
وقال الطبري: يخيّر بين الجهر والإسرار. وقال الأئمة الثلاثة: يسرّ في الشمس ويجهر في القمر، واحتجوا بقول ابن عبّاس عند البخاري: قرأ نحوًا من سورة البقرة لأنه لو جهر لم يحتج إلى الحزر، وتعقْب بأنه يحتمل أن يكون بعيدًا منه.
لكن ذكر الشافعي تعليقًا عن ابن عبّاس أنه صلّى بجنب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكسوف فلم يسمع حرفًا منه، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية، وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائد، فالأخذ به أولى، وإن ثبت التعدد فيكون فعل ذلك ليان الجواز، وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند ابن خزيمة، والترمذي لم يسمع له صوتًا أنه إن ثبت لا يدل على نفي الجهر.
قال ابن العربي: الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها وتخطب، فأشبهت العيد والاستسقاء.