خسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس فصلّى ركعتين، فانجلت الشمس.

وأجيب عن هذا: بأن النَّسائي زاد فيه كما تصلّون، فحمله ابن حبّان والبيهقي على أن المعنى كما تصلّون في الكسوف؛ لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عبّاس علّمهم أنها ركعتان: في كل ركعة ركوعان، كما روى ذلك الشافعي وابن شيبة وغيرهما، ويؤيد هذا أن في رواية يونس الآتية في الكسوف أن ذلك وقع يوم موت إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله، وقال فيه أن في كل ركعة ركوعين، فدل ذلك على اتحاد القصة، وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة.

وفي رواية جابر زيادة بيان صفة الركوع والأخذ بها، وعند ابن خزيمة عن عائشة أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام، وفي حديثها كما مرَّ أن في كل ركعة ركوعين.

وقد قال الطحاوي أن قول أصحابه أجري على القياس في صلاة النافلة. واعترض هذا بأن القياس مع وجود النص يضمحل، وبأن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها، بل كل ما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- فعله فيها كان مشروعًا؛ لأنها أصل برأسها، وبأنها أيضًا أشبه بصلاة العيد ونحوها مما يجمع فيه من النوافل، فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود، وصلاة العيد بزيادة التكبيرات، وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة.

فلذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع، فالأخذ به جامع بين العمل بالنصّ والقياس، بخلاف من لم يعمل به.

وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى. فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة، وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات، وبه قال قتادة وعطاء وإسحاق وابن المنذر، وعند مسلم من وجه آخر عن ابن عبّاس أنّ في كل ركعة أربع ركوعات، وبه قال طاووس، وحبيب بن أبي ثابت، وابن جريج، ولأبي داود عن أبيّ بن كعب والبزار عن علي أن في كل ركعة خمس ركوعات، ولا يخلو إسناد منها.

ونقل صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدّون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطًا من بعض الرواة، فإن أكثر طرق الحديث يمكن ردّ بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام.

وإذا اتّحدت القصة تعين الأخذ بالراجح، وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث بتعدد الواقعة، وأن الكسوف وقع مرارًا، فيكون كل من هذه الأوجه جائزًا. وإلى هذا نحا إسحاق، لكن لم تثبت عنده الزيادة على أربع ركوعات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015