مقدمة على رواية إسماعيل لكونه أوثق منه، فالجواب أن رواية إسماعيل اعتضدت برواية سويد بن سعيد.
وعلى كل حال احتمال الإرسال لا يزيله تقديم رواية القعنبي على رواية إسماعيل والدليل إذا تطرَّقهُ الاحتمال سقط به الاستدلال. والقبض هو مذهب الجمهور، أخذ به الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري وغيرهم.
وقال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه خلاف وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره. وقال القائلون به إن الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل، وهي أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع. وكأن البخاري لحظ ذلك فعقبه بباب الخشوع.
ومن اللطائف قولُ بعضهم: القلب موضع النيّة، والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه.
ومن القائلين بالإرسال كما حكاه ابن المنذر عبد الله بن الزبير والحسن البصري وابن سِيرين وابن المسيّب وسعيد بن جبير، وهو رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة، وعليه أكثرُ أصحابه، وهو مشهور مذهبه. ورويت عنه التفرقة بين الفريضة والنافلة فكره القبض في الفرض وأجازه في النافلة.
فقد قال في المدونة وأنا أكرهه في الفرض. وهذه رواية ابن القاسم في المدونة عنه، وروايته في المدونة عنه مقدمة على جميع الروايات عند المالكية. قلت: لعل تفرقته بين الفرض والنفل حملا منه لما روي من القبض على النفل، ولما روي من تركه على الفرض. ولم يأت التصريح في أحاديث القبض بأنه في الفرض وإن كان هو المتبادر من الإطلاق.
وقال الليث بن سعد: يرسلهما، فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى. وكلامه هذا صريح في أن القبض ليس من السنة، وإنما هو من باب الاستراحة. وهذا هو عين ما علّل به مالك كراهيته لما فيه من الاعتماد.
وقال الأوزاعي: غير بين الوضع والإرسال. وقد قال بعض علماء المالكية إن الإرسال أقرب إلى العبودية والذل من القبض, لأنه حالة الميت المكفن وحالة المصلوب.
ولا شيء أشد في الذل من هذين، فالأول فعل له ذلك لوضعه بين يدي ربّه مرجوًا منه أن يتجاوز عن ذنبه. والثاني فعل له ذلك اهانة وإذلالاً له وزجرًا لغيره. وإنما رجح مالك الإرسال مع كونه عمل أهل المدينة لموافقته للأصل، ولما فيه من تقليل الأعمال.
وقد استدل القائلون بالقبض بأحاديث كثيرة تتبعناها بالطعن وأبدينا أنها ليس فيها حديث