وذكر ابن الأثير في شرحه أن ذلك روى عن أكثر من عشرين نفرًا، وزاد فيهم الخدري. وقال الحاكم: من جملتهم العشرةُ المشهودُ لهم بالجنة. وقال القاضي أبو الطيب: روى الرفع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نيّف وثلاثون من الصحابة.
وعند أبي حنيفة وأصحابه لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى، وبه قال الثوري والنخعي وابن أبي ليلى وعلقمة بن قيس وعامر الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وهو رواية ابن القاسم عن مالك، وهو المشهور من مذهبه والمعمول به عند أصحابه. وقال الترمذي: وبه يقول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وهو قول سفيان وأهل الكوفة.
وفي البدائع عن ابن عباس أنه قال: العشرةُ الذين شهد لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجنة ما كانوا يرفعون أيدَيهم إلا في افتتاح الصلاة. وقد قال ابن عبد البر: لم يروِ أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم. والذي نأخذ به الرفع لحديث ابن عمر وهو الذي رواه ابن وهْب وغيره ولم يحك الترمذي عن مالك غيره.
ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما. قال: ولم أر للمالكية دليلًا عن تركه ولا متمسكًا إلا بقول ابن القاسم. قلت: دليل المالكية والحنفية ومن وافقهما النسخ. أما المالكية فيكلفيهم في نسخه كونه ليس عليه عمل أهل المدينة لكون عملها عندهم بمنزلة المتواتر مقدم على خبر الآحاد فلا يحتاجون إلى معارضة أحاديث الرفع بغيرها من الأدلة.
وعارضتها الحنفية وغيرهم بغيرها من الأدلة الدالة على نسخ الرفع لكونهم غير متّمسكين بهذا الأصل المتمسكة به المالكية. فاستدلوا على النسخ بما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لأصلّين لكم صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة. ورواه ابن عدي والدارقطني والبيهقي عن إبراهيم عن علقمة عنه بلفظ: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح وهذا الحديث حسّنه الترمذي وصححه ابن حزم.
وقد قال إبراهيم النخعي للمغيرة حين قال له: إن وائلًا حدّث أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع: إنْ كان وائل رآه مرة فقد رآه عبد الله بن مسعود خمسين مرة لا يفعل ذلك.
ولا يقال إن خبر إبراهيم غير متصل لأنه لم يدرك عبد الله, لأنّا نقول إن عادة إبراهيم إذا أرسل حديثًا عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده من الرواة عنه وتكاثر الروايات عنه. ولا شك أن خبر الجماعة أقوى من خبر الواحد وأولى.
وأخرج الطحاوي بإسناد صحيح عن مجاهد قال: صلّيت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا عند التكبيرة الأولى من الصلاة. وأخرجه ابن أبي شَيبة في مصنَّفه عن مجاهد قال: ما رأيتُ ابنَ عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح.