الإمام، وأن فعل الصلاة، لاسيما العصر، في أول الوقت مقدم على انتظار الإمام الأفضل. قلت: قد مرَّ مثل هذا في الصبح في صلاة عبد الرحمن بن عوف بالناس، في خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- لقضاء الحاجة، فيدل على أن المبادرة لا تختص بصلاة دون صلاة، وفيه جواز التسبيح والحمد في الصلاة, لأنه من ذكر الله، ولو كان مراد المسبح إعلام غيره بما صدر منه، وقد مرَّ الكلام عليه مستوفى.

وفيه رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء، وفيه استحباب حمد الله تعالى لمن تجددت له نعمة، ولو كان في الصلاة، وفيه جواز الالتفات للحاجة، وقد مرَّ ما قيل فيه أن مخاطبة المصلي بالإشارة أَوْلي من مخاطبته بالعبارة، وأنها تقوم مقام النطق، لمعاتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر على مخالفة إشارته. وفيه جواز شق الصفوف، والمشي بين المصلين لقصد الوصول إلى الصف الأول، لكنه مقصور على من يليق ذلك به، كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه، أو من أراد سد فرجة في الصف الأول، أو ما يليه مع ترك من يليه سدها، ولا يكون ذلك معدودًا من الأذى.

قال المُهَلَّب: لا تَعَارُض بين هذا وبين النهي عن التخطي, لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها, لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام، وأطال في تقرير ذلك، وتعقب بأن هذا ليس من الخصائص. وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك، فقال: ليس في ذلك شيء من الأذى، والجفاء الذي يحصل من التخطي. وليس كمن شق الصفوف والناس جلوس، لما فيه من تخطي رقابهم.

وفيه الحمد والشكر على الوجاهة في الدين، وأن من أكرم بكرامة يتخير بين القبول والترك إذا فهم أن ذلك الأمر غير جهة اللزوم، وكان القرينة التي بينت لأبي بكر ذلك، هي كونه عليه الصلاة والسلام شق الصفوف إلى أن انتهى إليه، فكأنّه فهم من ذلك أن مراده أن يؤم الناس، وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له، والتنويه بقدره، فسلك هو طريق الأدب والتواضع، ورجح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015