ذلك عنده احتمال نزول الوحي في حال الصلاة لتغيير حكم من أحكامها. وكأنّه لأجل هذا لم يتعقب -صلى الله عليه وسلم- اعتذاره برد عليه.
قلت: اختلف العلماء في النقل، أي الامتثال والأدب أيهما المتبع، فاعتبر عليّ رضي الله تعالى عنه في قصة الحديبية الأدب، وكذلك أبو بكر اعتبر في هذه القصة أيضًا الأدب، واعتبر الامتثال في قصة مرضه الماضية، وقد مرَّ في أول الحديث الفرق في امتثاله في قصة المرض، وعدم امتثاله في هذه، وكذلك عبد الرحمن بن عوف اعتبر الامتثال في صلاته كما مرَّ، وقد قال سيدي عبد الله:
النقل والأَدَابُ كُلٌّ يُتَّبَع ... وآخرٌ لدى عَليٍّ مُتَّبَع
وفيه جواز إمامة المفضول للفاضل، وفيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك، وفيه إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية، واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع، من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور، إذا كان حد الكلام أن يقول أبو بكر: ما كان لي، فعدل عنه إلى قوله: ما كان لابن أبي قُحَاَفَةَ, لأنه أدل على التواضع من الأول. وفيه جواز العمل القليل في الصلاة، لتأخر أبي بكر عن مقامه إلى الصف الذي يليه، وإن من احتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقرى ولا يستدبر القبلة، ولا ينحرف عنها، واستنبط ابن عبد البَرّ منه جواز الفتح على الإمام, لأن التسبيح إذا جاز جازت التلاوة من باب الأَوْلي.
وفيه دليل على جواز استخلاف الإمام إذا أصابه ما يوجب ذلك، وهو قول أبي حَنِيفة ومالك واحد قولي الشافعي، وهو قول عمر وعليّ والحسن وعَلْقَمة وعطاء والنَّخَعِي، والثَّوْرِيِّ وعن الشافعيّ وأهل الظاهر لا يستخلف الإمام.
وفيه ذكر أبي بكر، والمؤذن الذي هو بلال، وقد مرَّ الجميع، مرَّ عبد الله بن يوسف ومالك في الثاني من بدء الوحي، ومرَّ أبو حازم وسَهْل بن سعد في الثامن