وقالوا إن التقييد بالرجال في الحديث لكون التسبيح لا يشرع للنساء، ووجهه أن دلالة العموم لفظية وضعية، ودلالة المفهم من لوازم اللفظ عند الأكثرين، وقد قال في الحديث "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" فكأنه قال: لا تسبيح إلا للرجال، ولا تصفيق إلا للنساء، وكأنه قدم المفهوم على العموم للعمل بالدليلين, لأن في أعمال العموم إبطالًا للمفهوم، ولا يقال إن قوله "للرجال" من باب اللقب, لأنا نقول: بل هو من باب الصفة, لأنه في معنى الذكور البالغين.
وقال مالك في قوله "التصفيق للنساء" هو من شأنهن في غير الصلاة، وهو على جهة الذم له، ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل ولا امرأة، وتعقب برواية حماد بن زيد المار ذكرها بصيغة الأمر "فليسبح الرجال وليصفق النساء" فهذا نص يدفع ما تأوله أهل هذا القول. وقال القُرْطُبي: القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح خبرًا ونظرًا، وقد مرَّ ما قيل في صفته في أول الكلام على الحديث.
وفي الحديث من الفوائد، غير ما تقدم، فضل الإصلاح بين الناس، وجمع كلمة القبيلة، وحسم مادة القطيعة، وتوجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك، وتقديم مثل ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه، واستنبط توجه الحاكم لسماع الدعوى بعض الخصوم إذا رجح ذلك على استحضارهم، وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر، وأن الإمام الراتب إذا غاب استخلف غيره، وأنه إذا حَضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة، يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو، ويصير النائب مأموما من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين، وادَّعى ابن عبد البَرّ أن ذلك من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-, وادَّعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره عليه الصلاة والسلام، ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز، وعن ابن القاسم في الإمام يُحْدِث فسيتخلِف، ثم يرجع فيخرج المستخلَف، ويتم الأول إن الصلاة صحيحة. قلت: ما استدل به من كلام ابن القاسم مع ضعفه في المذهب إن