روايته المتقدمة محل ذكرها مكان الجلوس، فقال "حتى جلس عن يسار أبي بكر" وهذا هو مقام الإِمام. وقد أغرب القُرْطُبيّ فحكى الخلاف هل كان أبو بكر إمامًا أو مأمومًا؟ فقال: لم يقع في الصحيح بيان جلوسه -صلى الله عليه وسلم-، هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره، ورواية أبي معاوية هذه عند مُسْلِم أيضًا، فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه.
وقوله: فقيل للأعْمش: ظاهره الانقطاع؛ لأن الأعمش لم يسنده، لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلًا بالحديث، وكذلك في رواية موسى بن أبي عائشة. وقوله: فقال برأسه نعم، يعني جوابًا عن كون أبي بكر كان يصلي بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والناس يصلون بصلاة أبي بكر. وقد وقع في هذا اختلاف كثير، ففي رواية أبي داود والطَّيَالِسيّ المعلقة عند المؤلف، فيما وصله البَزّار، بلفظ "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المقدم بين يدي أبي بكر" وهذا موافق لقضية حديث الباب، لكن رواه ابن خُزَيْمَة في صحيحه عن محمد بن بَشّار عن أبي داود عن عائشة قالت "من الناس من يقول كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المقدم بين يدي أبي بكر، ومنهم من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصف". ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى خلف أبي بكر" أخرجه ابن المنذر، وهذا عكس رواية أبي موسى، وهو اختلاف شديد، وفي رواية مسروق عنها أيضًا اختلاف، فأخرجه ابن حبَّان عن عاصم عن شقيق عنه بلفظ "كان أبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر" وأخرجه التِّرمِذِيّ والنَّسائيّ وابن خُزَيْمَة عن شقيق أيضًا بلفظ "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى خلف أبي بكر".
وظاهر رواية محمد بن بَشّار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة، ولكن تظاهرت الروايات عنها بالجزم مما يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان هو الإِمام في تلك الصلاة، منها رواية موسى بن أبي عائشة المشار إليها سابقًا، ففيها "فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والناس بصلاة أبي بكر" وهذه رواية زائدة بن قُدَامة عن موسى، وخالفه شُعْبَةُ فرواه عن موسى بلفظ "إن أبا بكر صلى بالناس، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصف خلفه" فمن العلماء من سلك الترجيح، فقدم الرواية