محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك، وهي أن لا يتشاءم الناس، وقد صرحت بذلك فيما يأتي في آخر المغازي فقالت "لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبى أن يحب الناس بعده رجلًا قام مقامه أبدًا". وأخرجه مسلم أيضًا، وبهذا التقرير يندفع اشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن. وفي "أمالي" ابن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يُظهرن تعنيفها، ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن، كذا قال: وسياق الآية يخالف ما قال.
وفي مُرْسَل الحسن عند ابن أبي خَيْثَمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصرف ذلك عنه، فأرادت التوصل إلى ذلك بكل طريق، فلم يتم، وكًذلك أخرج الدَّوْرَقيّ في مسنده عن حمّاد بن أبي سُليمان عن إبراهيم "أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يأمر عمر بالصلاة" وزاد مالك في روايته: فقالت حَفْصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا. ومثله للإسماعيليّ، وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة من المعاوَدة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يراجع بعد ثلاث، فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسُف، وجدت في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك، ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضًا في قصة المغافير المتقدمة في باب التناوب في العلم.
وقوله: فليصلّ بالناس، في رواية الكُشْمَيْهَنِيّ "فليصل للناس" وقوله: فخرج أبو بكر، فيه حذف دل عليه سياق الكلام، وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة، ولفظه فأتاه الرسول، أي بلال؛ لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة كما مرَّ، فأجيب بذلك. وفي روايته: فقال له "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر، وكان رجلًا رقيقًا: يا عمر، صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك" وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أضمرت عائشة. قال النَّوَوِيّ: تأوله بعضهم على أنه قال ذلك تواضعًا. وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور،