من ضرورة عظيمةٍ في بيت المال، ومالُه لا يخلو إما أن يكون لله، أو لِعباده، أو لك، فإن كان لله فهو غنيٌّ عنه، وان كان لعباده فآتِهم إياه، وإن كان لك فتصدَّق به علينا، إن الله يُجْزي المتصدقين، فتغرغرت عينا عمر وقال: هو كما أمرت، وأمر بقضاء حوائجهم، فقُضِيت، وهَمَّ الأعرابيُّ بالانصراف، فقال له عمر: أيها الرجل، كما أوصلت حوائج عباد الله إليّ، فأوصل حاجتي وارفع فاقتي إلى الله تعالى، فقال الأعرابي: إلهي اصنع بعُمَر بن عبد العزيز كصنيعه في عبادك، فما استَتَمَّ كلامه حتى ارتفع غيمٌ عظيمٌ، وأمطرت السماء مطرًا كثيرًا، فجاء في المطر بَرَدَةٌ كبيرةٌ، فوقعت على جرّة، فانكسرت، فخرج منها كغدٌ مكتوبٌ فيه: هذه براءةٌ من الله العزيز الجبار لعمر بن عبد العزيز من النار.
يقال: إنه شدد على أقاربه، وانتزع كثيرًا مما في أيديهم، فتبرَّموا به، وسمّوه، ويروى أنه دعا بخادمه الذي سمه، وقال له: وَيْحَك ما حملك على أن سقيتني السُّم؟ قال: ألف دينار أُعطِيتها، قال: هاتِها، فجاء بها، فوضعها في بيت المال، وقال لخادمه: اخرُج بحيث لا يراك أحدٌ.
وكان لا يأخذ من بيت المال شيئًا، وقيل له: إن عمر بن الخطاب كان يأخذ درهمين، فقال: إن عمر لم يكن له مال، وأنا مالي يُغنيني.
واشتَرَى قبره بدَيْر سمعان من صاحبه بأربعين درهمًا، وكان مرضه تسعة أيام، ومات بدَيْر سمعان يوم الجمعة لخمس ليال بقين من رجب سنة إحدى ومئة.
تولى الخلافة سنة تسع وتسعين، ومدة خلافته سنتان وخمسة أشهر كخلافة أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، وأوصى أن يُدْفَن معه شيء كان عنده من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأظفاره، وقال: إذا مُتُّ فاجعلوه في كفني، ففعلوا ذلك، ودَيْر سمعان هو المعروف بدَير النَّقيرة من عمل مَعَرَّة النُّعمان، فقبره هو هذا المشهور هُناك، ولما جاء نعُيه قال الحسن