الذي أخرج مني من يُعينُني على ديني، فخرج وأمر مناديًا ينادي: من له مظلمة فَلْيرفعها، فأتاه ذِمِّيٌّ من أهل حمص، وقال: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله، قال له: وما ذاك؟ قال له: إن العبّاس بن الوَليد اغتَصَبنِي أرضي، وكان العبّاس حاضرًا، فقال له: ما تقول يا عباس؟ قال له: إن الوليد أمير المؤمنين اقتطعها لي، وهذا كتابه، فقال للذِمّي: ما تقول؟ قال: أسألك كتاب الله؟ فقال: كتاب الله أحق أن يُتَبَع من كتاب الوليد، فردها عليه، ثم جعل لا يَدَع شيئًا مما كان بأيدي أهل بيته من المظالم إلَّا رَدّه مظلمةً مظلمةً، ولما استُخْلِف قُوِّمَت ثيابه وما يتعلق به من الملبوس فعدل اثني عشر درهمًا.

وحدث سليمان بن دَاود أن عَبدَة بن أبي لُبابة بعث معه بدراهم ليفرِّقها في فقراء الأمصار، قال: فأتيتُ الماجشُون، فسألته، فقال: ما أعلم أن فيهم اليوم محتاجا، أغناهُم عمرُ بن عبد العزيز. وقال البُخاريُّ: قال مالك، وابن عيينة: عمر بن عبد العزيز إمام. ورُوِي عن فاطمة بنت عبد الملك أنها قالت: ما اغتسل عُمر رضي الله تعالى عنه منذ وَلِي الخلافة لا من حُلُم ولا من جَنَابة، نهارُه في أشغال الناس وردِّ المظالم، وليله في عبادة ربه، وكان كثيرًا ما يتمثل بهذه الأبيات:

نَهارُكَ يا مَغْرُورُ سَهْوٌ وغَفْلةٌ ... ولَيلُك نَوْمٌ والرَّدى لَكَ لازمُ

يَغُرُّكَ مَا يَفْنَى وتَفْرَحُ بالمُنى ... كَمَا غَرَّ بالَّلذات في النَّومِ حَالِمُ

وشُغلُكَ فيما سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كذلك في الدُّنيا تَعِيش البَهائمُ

ولما وُضِعَ في قبره هَبَّت ريح شديدة، فسقطت منها صحيفة مكتوبة بأحسن خطٍّ فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، براءة من الله العزيز الجبار لعمر بن عبد العزيز من النار، فأخذوها ووضعوها في أكفانه، وقيل: سبب البراءة هو أنه وقع في زمانه غلاءٌ عظيمٌ، فقدم عليه وفد من العرب، فاختاروا رجلًا منهم لِخِطابِه، فتقدم إليه، وقال: يا أمير المؤمنين، إنا وفدنا إليك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015