قال: خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ يتوكأ على يده، فسألته، فقال: رأيتَهُ؟ قلت: نعم، قال: ما أحسِبُك إلَّا رَجُلًا صالحًا، ذلك أخي الخَضِر، أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة، وأني سأُساعَدُ فيها، وقال ابن عَوْن: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة قام على المنبر، فقال: أيها الناس، إن كرهتموني لم أقُم عليكم، فقالوا: رضينا، فقال ابن عون: الآن قد طاب الأمر، ولما ولي الخلافة سُمِع صوت لا يُدْرى قائله يقول:
مِن الآن قَد طابَتْ وقَرَّ قَرَارُها ... عَلَى عُمَر المَهدِيِّ قَامَ عَمُودُها
وهو أول من اتَّخَذ دار الضيافة، وفرض لابن السبيل، وأزال ما كانت بنو أمية تذكر به عليًّا على المنابر، وجعل مكانه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] الآية، وكتب إلى عماله أن لا يُقَيِّدوا مسجونًا بقيدٍ فإنه يَمْنعُ من الصلاة، وكتب إليهم: إذا دعتكم قدرتكم على الناس إلى ظلمهم، فتذكروا قدرة الله تعالى عليكم، ونَفَاد ما تأتون إليه، وبقاء ما يأتي إليكم من العذاب بسببهم، وكتب إلى عامله عَدِيِّ بن أرطأة بالبَصْرة: عليك بأربع من السنة فإن الله تعالى يُفْرِغُ فيها الرحمة إفراغا: أول ليلةٍ من رِجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيد.
ولما امتنع من الخِلافة، وخطب على الناس بذلك، ولم يرضَوا سواه، خطبهم كلى المِنبر، فقال: أيُها الناس، إني لا أعطي أحدًا باطلًا، ولا أمنع أحدًا حقًا، أيها الناس، من أطاع الله وجَبَت طاعته، ومن عصى الله وجَبَت معصيتُهُ، أطيعوني ما أطعت الله، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، ثم نزل دار الخلافة، وهتك السُّتور، وأمر ببيعها، وجعل ثمنها في بيت المال، ثم ذهب لِيَقِيل، فقال له ولده عبد الملك: يا أبت ما تريد أن تصنع؟ قال: أي بُنَيّ، أقيل. قال: تَقِيلُ ولا تَرُدُّ مظالم المسلمين؟ قال: بنيَّ إني سهرت البارحة في أمر عمك سليمان، فإذا صليت الظهر رددت المظالم، فقال: يا أمير المؤمنين، من أين لك أن تعيشَ إلى الظهر؟ قال: ادنُ مني، فدنا منه، فقبله، وقال: الحمدُ لله